أمضى قائد الجماهيرية الشعبية معظم فترة حكمه مناديا بالعقيدة الخضراء، فكتب الكثير من الكتب وفرضها كمادة دراسية في المدارس والمعاهد والجامعات، لكي يصنع جيلا يدين بعقيدته الخضراء.
وبعد أن ثار الشعب، تبين أن هذه العقيدة، أو النظرية كما يسميها أوالفلسفة وغيرها من المسميات الوهمية، هي عبارة عن حبر على ورق، وأنها لم تزد من مساحة اللون الأخضر في الأرض الليبية شبرا، ولم تنقص الصحراء الليبية قدما مربعا واحدا. وكأنها أشبه بالفنتازيا وحلم اليقظة والسراب، حيث لا يريد صاحبها رؤية الصحراء ويتوهمها واحة خضراء مسطورة في كتبه ومنهاج عقيدته الألمعية.
لكنه أثبت بالفعل أن ما كان يريد قوله ويرمي إليه هو اللون الأحمر، لون الدم والدمار والخراب والإبادة الفتاكة لأبناء الشعب الليبي، وبواسطة جنود عقيدته المغسولة أدمغتهم ونفوسهم والمحشوين بكل ما يؤكد سطوة الفردية وإمعانها بالجور والفجور. وكأن ما كان يدعو إليه قد أورق عن الحالة المأساوية التي تتناقلها وسائل الإعلام كل يوم.
فالموقف كان من الممكن حله بأساليب أخرى كثيرة وليس بالتهديد والوعيد والتلويح بالقوة والمواجهة، فالنظام قد انزلق في هاوية النهاية في اللحظة التي أطلق الإبن القائد خطابه الانتحاري.
أما في سوريا فإن البعث الذي يدعو إلى بعث الأمة وخلقها من جديد لكي تكون قوية عزيزة وفاعلة في عصرها، لم يقدم شيئا مما ادعاه وقاله، وعلى مدى ستة عقود ممهورة بالظلم والاستبداد وهيمنة الحزب الواحد على البلاد والعباد، وعلى أفكار وتطلعات الناس حتى جعل كل شيء يساوي لا شيء. لا تنوع، لا ألوان ولا أية ميزة متميزة، وإنما هو الواحد في الصورة والقول والفعل، وأن الحكم المستبد المطاع الذي لا يجوز لأحد أن يعلو على رأيه وصوته وما يريده ويفعله ويتمناه.
وكان الحزب الواحد تيار أقوال تناقضها الأفعال على مدى العقود حتى تأكد في العراق ويتكرر الآن في سوريا لأن حقيقة الإسم هو العبث. لأنه قد عبث بمقدرات الأمة وحاضرها ومستقبلها وهدر طاقاتها وأخمد إرادتها، وأدخلها في زواج طويل مع الويلات والتداعيات، وتفاعل مع إيران بأسلوبين متناقضين، واحد ضدها وآخر معها. فكان الحزب يحاربها على مدى ثماني سنوات وهو معها. كما أنه قرر الإنشقاق لتأكيد فعل العبث وليبرهن أن أقواله ضد أفعاله.
واليوم نرى ذات الصورة التي حصلت سابقا، فالحزب أمعن بالعبث في حاضر ومستقبل سوريا، وأن الجيش الذي جميع أفراده من الحزب حتما قد صار ضد الشعب. وما يجري في سوريا اليوم هو التعبير الأمثل عن العبث بالمصير وتحقيق الخراب والدمار وأخذ الشعب أسيرا.
وما بين الصورتين تتطابق الأهداف والنوايا والأساليب، وأن تكون النهاية مضرجة بالخسران والخراب والدمار الشامل للإنسان والبنيان.
فهل هذا لون أخضر أم أحمر وأسود؟ وهل هذا بعث أم عبث بالمصير؟
فالأفعال تدين الأقوال وتفضح الشعارات والأهداف والنظريات.
ويبقى السؤال الصعب ينادي: لماذا لم يتحاوروا مع الشعب وينحنوا لإرادته منذ البداية؟!-
د. مراد الصوادقي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق