النظام السوري نسخة مكررة من النظام الليبي مع اختلاف في الشكل فقط , نظام القذافي واضح لايتجمل حيث يضرب باليد الحديدية , أما نظام الأسد فانه يغلف هذه اليد الحديدية بقطعة من الحرير .
النظام الليبي ارتكب مذابح ضد شعبه، وفي واحدة منها سقط 1200 في سجن" أبو سليم "، ويجب فتح تحقيق في هذه الجريمة بعد أن تضع الحرب أوزارها , وقمع بالقوة أي قبيلة حاولت أن تواجه جبروته ، ومنها قبيلة " ورفله " الكبيرة ، ولذلك كان طبيعيا أن تكون من أوائل القبائل التي انحازت لثورة 17 فبراير, وملف الحريات، وحقوق الإنسان ، في جماهيرية القذافي الهلامية مجلل بالسواد.
والنظام السوري في عام 1982 ضرب مدينة " حماة "، وسوى بمبانيها الأرض على رؤوس الآلاف - عاد يكرر فعلته في نفس المدينة في 2011- كما ضرب سجن " تدمر" في مذبحة بشعة, أما القمع اليومي، والمعتقلات، والتعذيب، والإخفاء، فهى سياسية منهجية يشيب من هولها الولدان، حتى صار السوري يخشى على نفسه من نفسه.
هى نظم حكم غير إنسانية، تسعى لمسخ شعوبها، وتحويلها إلى قطعان، لكن لأن الإنسان ولد حرا، فإن لديه دوما هاجس النزوع إلى الحرية، والانعتاق من أسر العبودية في بلدان الاستبداد، لذلك ينتفض الإنسان العربي الآن، ضد ظلم تاريخي طويل في جمهوريات الرعب، لانتزاع حريته وكرامته .
سوريا تجاوزت النظم الجمهورية الأخرى، عندما ابتدعت توريث الحكم ، فالرئيس الحالي ورث السلطة عن أبيه الراحل، بضغط الدولة البوليسية التي يقودها أفراد العائلة، التي تتقلد المناصب القيادية في الأجهزة الأمنية، والسيادية ،وتهيمن على المصالح الاقتصادية. عائلة الأسد تمتلك سوريا بالفعل ، ولذلك تمارس أجهزة الأمن القتل العنيف ضد المتظاهرين، حتى وهم يشيعون ضحاياهم ، لأن العائلة تدافع عن ملكها، وهى على استعداد لإبادة أي عدد من السوريين، حتى لا تفقد السلطة والثروة والنفوذ .
ومثلما ادعى القذافي أنه صنع ليبيا من العدم، وانه سيقاتل حتى آخر رجل في ليبيا، فانه خارج تصور عائلة الحكم في سوريا أن يزول سلطانها, فهذه النوعية من الحكام على استعداد للذهاب إلى آخر مدى في إسكات كل من يقول " لا" .
القذافي يخوض حربا صريحة الآن ضد شعبه. والأسد يخوض هو الآخر حربا تتصاعد كل يوم ضد شعبه. وإذا كان الغرب قد تدخل متأخرا لحماية الشعب الليبي، ومساعدة الثوار، فان ثوار سوريا رهينة لدى النظام الأمني، و موقف المجتمع الدولي مما يجري في سوريا مازال رخوا، رغم الإدانات، والعقوبات ضد أركان النظام. لكن مشروع قرار الإدانة في مجلس الأمن الذي قدمته فرنسا ودول أوروبية يشير إلى أن الدول الكبرى صبرها قد نفد من النظام السوري، وأنها فقدت الثقة فيه ، لذلك بدأت تقول صراحة أن شرعية الأسد انتهت . والتوجه لمجلس الأمن قد يكون بداية للحشد الدولي ضد سوريا، كما حدث في الحالة الليبية، وفي اللحظة الحاسمة فان حلفاء دمشق، مثل روسيا والصين سيرفعان الغطاء عنها ، ويدخلان في صفقات المصالح مع الحلف الأمريكي الأوروبي ، أليست موسكو وبكين تنسحبان الآن من دعم القذافي، بل إن روسيا طالبته مؤخرا بالتنحي .
أما الموقف العربي فهو يثير الأسى, فالعرب بين صمت مطبق على سيلان نهر الدماء، أو دعم النظام. الجامعة العربية أخذت موقفا جيدا ضد نظام القذافي، عندما علقت عضوية ليبيا، وطلبت من مجلس الأمن توفير الحماية الدولية للمدنيين، لكن أين موقفها مما يحدث في سوريا ؟. أليست الدماء السورية عربية كالدماء الليبية ؟، لماذا لا تعلق عضويتها ، ولماذا لايكون هناك موقف عربي قوي ضد التنكيل بالشعب المطالب بالحرية ؟, وأين صوت عمرو موسى الطامح إلى رئاسة مصر الحرة, هل يجدر به أن يكون رئيسا لبلد انتزع حريته من الديكتاتور بدمه، ثم يصمت عما يجري لشعب يثور لأجل الحرية ؟.
يحتاج الشعب السوري إلى حماية عاجلة من أجهزة الأمن ، قاسية القلب، التي انضم إلها الجيش في استهداف كل مدينة، أو حي، أو قرية، فيها من يطالبون بالحرية، ولا يتفاءل أحد بأن يأخذ الجيش السوري موقف الجيشين التونسي والمصري بعدم ضرب المتظاهرين، بسبب تركيبته المختلفة، وانحيازه الدائم للنظام ، فالجنود والضباط الذين يرفضون إطلاق النار على المتظاهرين يتم إعدامهم فورا. لابد من ممارسة كافة الضغوط الممكنة عربيا ودوليا على النظام لإجباره على إيقاف آلة القتل، والإفراج عن المعتقلين، وإتاحة حق التظاهر السلمي للمواطنين، وإجراء إصلاح سياسي جذري، يلبي مطالب وتطلعات السوريين، وإلا فان مصير هذا النظام قد يكون مؤلما ويجر معه الويلات على البلد كله، وجميع الاحتمالات مفتوحة ، فالأنظمة العربية لا تستوعب أي درس .
-بقلم ـ طه خليفة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق