بقلم المستشار: مصطفي الطويل
من متابعة ما يجري في العديد من البلدان العربية حولنا، من صراعات طاحنة بين الجيوش العربية وشعوبهم، أصبحت متيقنا أن الاستعمار الأجنبي في الماضي كان أهون كثيرا من بعض الحكام العرب، الذين يستترون وراء جيوشهم، آملين أن تكون هذه الجيوش هي الحصن الحصين لبقائهم، متربعين علي مقاعد الحكم في البلاد، هؤلاء الحكام في حقيقة الأمر يتخذون من جيوشهم الدرع والوسيلة لقمع وقتل أبناء وطنهم، إذا ما ثاروا للمطالبة بحقوقهم.
لقد استوقفني كثيرا مايفعله القذافي بالشعب الليبي العظيم، لم يدخر هذا المجنون نوعا من أنواع السلاح إلا واستعملها لوأد الثورة الليبية فقد ظلت الطائرات المقاتلة فترة طويلة تدك المدن التي ثار أهلها، حتي المدرعات والدبابات والصواريخ، كل هذا الكم من العتاد والعداد كان في مواجهة غير منصفة مع الشعب الليبي، الذي لا يملك إلا بعض الرشاشات والبنادق والمدافع الخفيفة، التي استطاع أن يحصل عليها من مخازن الأسلحة الليبية التي وقعت في حوزته وتحت سيطرته، لقد قام مجنون ليبيا حربا شعواء ضد هذا الشعب البطل الي حد التنكيل به وبثورته، تحت زعم كاذب وافتراء واهم، بأنه القائد والزعيم لهذا الشعب العظيم وبأنه الأجدر والأولي بحكم البلاد.
الشعب الليبي ضحي بالنفيس والغالي من أجل استعادة حريته وكرامته، وبعد أن طفح به الكيل التجأ الي دول الجوار ـ العربية والأجنبية ـ أملا في المساعدة والوقوف الي جانبه، وللحق فهناك مواقف مشرفة من بعض الدول العربية التي ساندت الشعب الليبي، وفي المقابل هناك أيضا مواقف مخزية لبعض الدول العربية التي آثرت مساعدة ـ مجنون ليبيا ـ ليس حبا فيه، ولكن دفاعا عن حكمهم السلطوي. ومن الدول الأجنبية التي أخذت علي عاتقها مساعدة الشعب الليبي،الدول الأوروبية وأمريكا وقد انتهي بهم الحال الي تكليف حلف الناتو للقيام بالعديد من العمليات الجوية، منعا لسحق المدنيين من الشعب الليبي، وبالفعل قام الحلف بالحد من إجرام ـ مجنون ليبيا ـ ومازال يقوم بالعديد من العمليات لضرب كتائب القذافي حتي الآن.
أعود فأقول: إذا قارنا بين الاستعمار الأجنبي الذي كان موجودا في الماضي، وبين ما يحدث من بعض الحكام العرب الحاليين، نجد أن الاستعمار الأجنبي ـ علي مستوي العالم ـ أهون وأرحم بكثير من هؤلاء الحكام الوطنيين، الذين استعمروا بلادهم، فعلي سبيل المثال لم يحدث في مصر أثناء الاستعمار الانجليزي ربع ولا حتي عُشر ما نراه يحدث للشعب الليبي علي يد القذافي، هذا المجنون استعمر بلاده لعشرات السنين، عمل خلالها علي تدعيم حكمه المستبد وفرض دكتاتوريته علي إرادة شعبه، ولم يهتم من قريب أو بعيد بالوطن أو بالمواطنين، المهم عنده ـ أولا وأخيرا ـ هو استمرار حكمه السلطوي، جاثم علي صدر الشعب، وفي مقابل ذلك، فإن الاستعمار الأجنبي لم يصل في عدوانه الي حد ما فعله القذافي بشعبه، لأن الاستعمار الأجنبي كل ما يصبو اليه، هو الحصول علي خيرات البلدان المستعمرة، لكنه في نفس الوقت لا يقبل إطلاقا أن يقف في مواجهة الشعوب المستعمرة بالعنف والقسوة التي فعلها القذافي بوطنه وبشعبه.
للأسف الشديد، هناك عديد من الدول العربية التي تحكم بأنظمة دكتاتورية، لا يعني حكامها تقدم شعوبهم والرقي بوطنهم، لكن كل ما يصبو اليه هؤلاء الحكام هو اكتناز المليارات والاستمرار في الحكم، ونتيجة لهذا الوضع المزري، ثار العديد من الشعوب العربية ضد حكامها وقد نجح البعض منهم في التخلص من هذا النوع الجديد من الاستعمار الوطني لبلادهم، ومازالت الحروب دائرة في بدان أخري، أملا في الخلاص من هذا الاستعمار الوطني.
الشعوب العربية هبت في المنطقة كلها تطالب بالديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية فغياب الديمقراطية وكبت الحريات في العديد من الدول العربية، كان هو المحرك الأول لثورات شعوب هذه المنطقة. والديمقراطية ببساطة شديدة هي حكم الشعب لبلده، وما الحاكم إلا رمز لهذا البلد، فالمفروض أن الشعب هو الذي يأتي بالحاكم وهو الذي يأتي بالبرلمان وهو الذي يختارهم بإرادته الحرة، الشعوب العربية الآن في طريقها، لأن تحكم نفسها بنفسها، وسوف تطرد المستعمر الوطني كما قامت في الماضي بطرد المستعمر الأجنبي.
اقرأ المقال الأصلي علي بوابة الوفد الاليكترونية الاستعمار الوطني والاستعمار الأجنبي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق