مقابلة مع رئيس جنوب افريقيا - حوار سياسي: سكوت ماكلويد
يقع «ماهلامبا ندلابفو»، مقر الإقامة الرسمي لرئيس جنوب أفريقيا في بريتوريا على جانب تل منعزل مغطى بأشجار الجاكاراندا. وعلى الرغم من ذلك لم يكن هناك الكثير من الهدوء في طريق جاكوب زوما إلى الرئاسة. وأثناء الكفاح الطويل ضد التمييز العنصري كان عضوا سريا في الجناح العسكري للمؤتمر الوطني الأفريقي، وقضى عشرة أعوام في السجن بجزيرة روبن. وقبل الوصول إلى «ماهلامبا ندلابفو» في عام 2009،
كان زوما (69 عاما) معروفا بدفاعه عما يريده الشعب، وفاز بمعركة داخلية خلافية مع الرئيس ثابو مبيكي، وتمكن من تجنب اتهامات بالفساد.
ومع تولي زوما قيادة الدفة داخل البلاد، لعبت جنوب أفريقيا دورا متناميا في الشؤون الدولية، وفي الوقت نفسه استمرت في مكافحتها للفقر وعدم المساواة بعد حقبة حكم البيض. واستضافت البلاد نهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 2010 وحققت نجاحا كبيرا في ذلك. وقد كان لجنوب أفريقيا صوت مميز كعضو غير دائم في مجلس الأمن. وسعى زوما للعب دور أكثر تأثير في الشؤون الأفريقية، وظهر ذلك في سعيه للتوسط في الأزمة الليبية، وقد وجه انتقادات حادة للتدخل العسكري الذي قام به «الناتو» واتهام معمر القذافي من جانب المحكمة الجنائية الدولية. ولكن ربما كان التطور الأبرز هو قبول جنوب أفريقيا في مجموعة «بريكس» - التي تضم حاليا البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وقد أجرى مدير التحرير بـ«كايرو ريفيو» سكوت ماكلويد مقابلة مع زوما في مقر إقامته «ماهلامبا ندلابفو» وتنشر «الشرق الأوسط» مقتطفات منها بالاتفاق مع «كايرو ريفيو».
* لقد قطعت جنوب أفريقيا شوطا طويلا، صف لنا شعورك وأنت في منصب الرئيس حاليا؟
- إنها مسؤولية كبيرة، فهذا يطرح دوما تحديا كبيرا. إن تولي منصب الرئيس لهذا البلد في هذا التوقيت يفرض مسؤولية ضخمة للغاية لضمان أن جنوب أفريقيا تتحرك للأمام. إذا مُنحت هذا الشرف بتولي منصب الرئيس بجنوب أفريقيا في وقت ما، فيجب أن أساعد البلاد على التحرك قدما وأن أتركها أفضل مما كانت عليه. وهذه مسؤولية ضخمة نوعا ما.
* كيف حدث انضمام جنوب أفريقيا إلى مجموعة «بريكس»؟
- تحقق ذلك بصورة جزئية بسبب المشهد العالمي المتغير. وكما تعرف، لقد أصبحت الاقتصادات الناشئة والدول النامية قوية نوعا ما، وقد حاولت ترتيب نفسها. وإلى جانب «بريكس»، فإن جنوب أفريقيا في مجموعة «إبسا» (منتدى الحوار الذي يضم الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا)، ونلعب أيضا دورنا داخل القارة، بالإضافة إلى الأمم المتحدة. وكما تعلم فقد كنا جزءا من مجموعة الدول التي بدأت حضور مجموعة الثماني لعدد من الأعوام قبل أن تتحول إلى مجموعة العشرين، التي نحن عضو فيها حاليا. يشهد العالم تغييرا. ويوجد شعور بأن هناك المزيد من التواصل مع دول الجنوب. وهناك مجموعة السبع والسبعين. وبين الدول التي بها اقتصادات ناشئة، يمكن أن تنظر إلى هذه كنوع من الريادة. وقد ظهرت الصين والهند والبرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا والقارة الأفريقية. بدأ نقاش حول انضمام جنوب أفريقيا إلى مجموعة «بريك». ثم بدأ نقاش بين جنوب أفريقيا ومجموعة «بريك». ولكن كان هناك شيء مهم آخر من وجهة نظرنا، وهو أنه مع تغير العالم إذا كانت هناك مجموعة مثل «بريك» من دون أفريقيا، فهي بذلك كيان غير مكتمل التمثيل. ولذا كانت هناك حاجة لأن تكون دولة جنوب أفريقيا عضوا بالمجموعة لتصبح أفريقيا ممثلة ولإكمال لعبة البازل. وبعد بعض النقاش أدرك الجميع الحاجة إلى ذلك. إذا كنت جزءا من العالم، فلا يمكن أن تنفصل عن القارة الأفريقية، وهي من المناطق التي تشهد نموا سريعا. وبالطبع إذا كنت في أفريقيا، وتنظر إلى الدولة صاحبة الاقتصاد الأكثر تطورا من الناحية الاقتصادية، ستجد أن دولة جنوب أفريقيا ينطبق عليها هذا الوصف بدرجة كبيرة. كان ذلك عقب نقاشات، وبالطبع كان هناك اتفاق، وفي النهاية قُبلت جنوب أفريقيا في مجموعة «بريك» وتحول اسمها إلى «بريكس»، وأعتقد أن ذلك يمثل قيمة مضافة إلى المجموعة في حد ذاتها. ستصبح جنوب أفريقيا نقطة دخول هامة إلى القارة الأفريقية.
* ما هو هدف مجموعة «البريكس» وما هي المصلحة الوطنية لجنوب أفريقيا بأن تكون عضوا فيها؟
- أولا، تحظى مجموعة «بريكس» بأهمية لأنه «في هذا» العالم المتغير هناك قضايا أثيرت على المستوى العالمي. وعلى سبيل المثال، هناك الحاجة إلى زيادة تمثيل الدول النامية في المؤسسات البارزة - كالمؤسسات المالية، على سبيل المثال، سواء كنت تتحدث عن البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي. وبالطبع الأمم المتحدة موجودة من قبل. وهناك الكثير من الكلام عن مجلس الأمن نفسه. ويعني ذلك أن العالم القديم لديه صوت جماعي منظم للغاية، يكون في معظم القضايا دفاعا عن مواقفهم. لم يكن يريدون الانفتاح لوقت طويل. وقد بدأت هذه الاقتصادات الناشئة لتكون الصوت الأكثر ارتفاعا للدول الناشئة. وعليه أصبحت مجموعة «بريكس» في طليعة هذا الاتجاه. وبمجرد أن تكون في مجموعة «بريكس»، ترى بالفعل صوتا بديلا فيما يتعلق بالقضايا الدولية. وفي الوقت الحالي لا يمكن لأحد أن يتجاهل أعضاء مجموعة «بريكس» في الشأن العالمي. وعلى سبيل المثال، فإن كل أعضاء مجموعة «بريكس» تقريبا جزء من مجموعة العشرين. ويعرفك ذلك الأهمية من ناحية التوازن العالمي. من المهم أن تصبح هذه المجموعة قوية جدا. وعند العودة إلى مصالح الدولة، فإن هذا مهم جدا بالنسبة لجنوب أفريقيا لأن هذه اقتصادات قوية تشهد نموا. وهي لا تراجع كما الحال مع العالم القديم، الذي لا ينمو سريعا. وبناء على ذلك فإن الانضمام إلى مجموعة «بريكس» بالنسبة إلى دولة جنوب أفريقيا يعني أن لدينا فرصة للمشاركة بنفس قدر هذه الاقتصادات الكبرى، وهو ما يفيد شركاتنا وأنشطتنا التجارية - ولدينا اتفاقات أفضل تأخذ في عين الاعتبار أننا ننتمي إلى نفس المجموعة. ولذا نجد الفرص متاحة بدرجة أكبر، وسيترجم ذلك إلى تطورات في الموقف الوطني. وستستطيع شركات جنوب أفريقيا الوصول إلى اقتصادات هذه الدول. وهذه ميزة لدينا على المستوى الوطني.
* هل يجب أن تضع مجموعة «بريكس» أجندة ورؤية مشتركة؟
- سيكون هذا من الأشياء المنطقية. وأعتقد أن ذلك شيء هام لأنه لدينا قيم مشتركة، وهذا هو سبب وجودنا معا. كما أننا من الدول النامية التي لها موقف مماثل فيما يتعلق بالعالم المتقدم. نشترك في الكثير من الرؤى. وأعتقد أنه لو لم يكن ذلك في كافة القضايا، فإنه سيكون في بعض القضايا الهامة، وبالتأكيد سنجتمع مع بعضنا. ويعطينا ذلك فرصة لنكون قادرين على تبادل الرؤى فيما بيننا بشأن القضايا التي تؤثر على العالم اليوم. ولنضع في الاعتبار أن مجموعة «بريكس» تمثل تقريبا نصف سكان العالم. ولذا إذا كنت تنظر من ناحية عدد السكان أو من ناحية السوق أو من ناحية الاقتصاد نفسه، فأنت تتحدث عن شيء كبير له علاقات متشابهة وثقافات متشابهة. ولذا أعتقد أنه في مجموعة من القضايا الأخرى سوف نجتمع بالتأكيد سويا، ويكون لدينا صوت واحد، ونتفق على قضايا معنية تؤثر على الدول النامية، على سبيل المثال. ولا يعني ذلك أنه سيكون هناك اتفاق على كافة القضايا، لأنه بالتأكيد نحن دول مختلفة على الرغم من تجمعنا. ولكن أعتقد أننا سنميل إلى أن تكون لدينا رؤية مشتركة بشأن عدد من القضايا العالمية.
* هل هناك جهد واعٍ بين دول مجموعة «بريكس» للبقاء على تواصل بخصوص «موقف البريكس»؟
- نجتمع ونناقش عددا من القضايا - علاقاتنا.. إلخ. ولم نصل بالضرورة إلى أن نتناقش في كل قضية. ولكن هناك قضايا نتحدث عنها. وعلى سبيل المثال فإنه خلال الاجتماع الأخير، والذي كان بالمناسبة أول اجتماع لـ«جنوب أفريقيا»، تحدثنا عن المشكلات في العالم العربي، ولا سيما داخل ليبيا. وتحدثنا عن قرارات الأمم المتحدة التي اتخذها مجلس الأمن وكانت لدينا آراء مشتركة بخصوص هذه القضايا. ولذا لن أقول إن ذلك أصبح شيئا روتينيا، ولكن أنا متأكد من أنه بمرور الوقت، ستحدد القضايا كيف نتصرف بالفعل بخصوص هذه القضايا.
* هل القضايا ستكون اقتصادية أكثر منها سياسية؟
- أعتقد أنه ستكون هناك كافة القضايا، ولا يمكننا فصل الاقتصاد عن السياسة.
* يتساءل منتقدون كيف تشتركون في مصالح اقتصادية على الرغم من التناقض في قيم أخرى مثل حقوق الإنسان: جنوب أفريقيا رائدة في مجال حقوق الإنسان، ولكن لدى الصين مشكلة في هذا الصدد؟
- في الواقع لا أعتقد أن هذه مشكلة، ولا يمكن أن تصبح كذلك. لا يمكن أن تصبح كذلك عندما تكون جنوب أفريقيا جزءا موجودا. لا يمكن. ستتفق معي أن «دولة» واحدة توصف بأنها اقتصاد رائد في العالم وديمقراطية رائدة، الولايات المتحدة الأميركية، لديها علاقات قوية جدا اقتصاديا مع الصين. ولم تثر هذه القضية. وفي الواقع لا أعتقد أن هذه القضية ستثار. في الوقت الحالي تعد الصين واحدة من أكبر الاقتصادات، ولديها علاقات مع عدد من الدول الأخرى. وأعتقد أنه مثلما يحدث في العالم، سنظل نؤثر على بعضنا في القيم وحقوق الإنسان. نصر على حقوق الإنسان لدينا. ولدينا تاريخ جيد بخصوص ذلك ونؤمن بذلك كثيرا. ولكن لم يصبح ذلك عقبة بالنسبة لنا. وكما أقول فإن دولا كبرى أخرى تؤمن بما نؤمن به لديها علاقات قوية جدا مع الصين.
* هل تناقشت دول مجموعة «بريكس» حول انتخاب رئيس جديد لصندوق النقد الدولي؟
- لم نناقش الأمر بعد، وأنا في معرض السعي للحديث مع زملائي حول هذه القضية لأني أعتقد أنها قضية هامة على ضوء التغيير الذي تحدثت عنه.
• ذُكر أحد وزرائك (تريفور مانويل)، وهو وزير مالية سابق، كمرشح محتمل لهذا المنصب.
- بالتأكيد هذا شيء نود أن نراه، ويتسق ذلك مع رؤيتنا بأننا في حاجة إلى تغيير. ونحتاج إلى أن يكون العالم النامي موجودا في مستويات صنع القرار. وأعتقد أن الوقت حان ليتحقق ذلك.
* فيما يتعلق بالحاجة إلى إصلاح الإدارة العالمية، إلى أي مدى يجب أن يذهب ذلك؟ ما الذي يجب القيام به؟
- يفتقر النظام العالمي في هذه اللحظة إلى التوازن، فقد أسست المؤسسات العالمية الحاكمة في الأربعينيات من القرن الماضي عندما كان العالم مختلفا تماما، من ناحية الدول. وكان عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مختلفا. كانت حينها نهاية الحرب العالمية، وكان العالم يقبل على مرحلة الحرب الباردة، التي ظلت لوقت طويل. وانتهت الحرب الباردة، وأصبحت هناك الكثير من الدول. هناك الكثير من القضايا التي يجب وضعها في الاعتبار - وهي أن بعض القواعد واللوائح وضعت آنذاك ولم تكن هناك بعض الدول. وعليه فإنه على ضوء التغير الذي يحدث في العالم، توجد حاجة إلى أن يكون التمثيل مختلفا. وعلى سبيل المثال، لا يقبل أن تكون بعض المناطق الأخرى في العالم غير ممثلة في عملية صنع القرار، هذا أمر لا معنى له، فالقرارات التي تتخذ تؤثر على الجميع. وإذا أخذنا الأمم المتحدة، نرى أنه لا يوجد سبب لأن يظل مجلس الأمن محافظا على عدد قليل من ناحية العضوية الدائمة. يقول الناس: «نؤمن جميعا بالديمقراطية». ولا يمكن أن تكون رائدا في الديمقراطية، وفي نفس الوقت تتحفظ عند ممارسة ذلك. هذا ليس جيدا. لا يُقبل القول بأنه يجب على الآخرين التحلي بالديمقراطية، ولكن لدينا بعض الأشياء يجب عدم الاقتراب منها. هذا ليس جيدا. نعتقد أن مجلس الأمن يجب أن يكون مفتوحا. وبصيغة أخرى، يجب أن تكون مناطق العالم ممثلة بنفس القدر. لدينا منطقة واحدة مسيطرة وهي المنطقة الأوروبية. لماذا يجب أن يظل الوضع على هذا النحو؟ هذا أمر غير جيد. هذه هي الآراء التي نؤمن بها. ونضيف إلى هذا المؤسسات المالية. الكثير من القرارات المالية التي تتخذ تؤثر على العالم، وبعض المناطق نامية، وتؤثر الكثير من هذه القرارات على هذه المناطق. لماذا لا يستطيعون أن يكونوا جزءا من عملية صنع القرار؟ هذا هو الشيء الأكثر أهمية.
* إلى أي مدى ستضغط من أجل تحقيق ذلك؟ وما هي طبيعة المعارضة التي تواجهها من الدول الغربية؟
- نضغط بقوة من أجل ذلك، بقوة كبيرة. وكانت هناك معارضة كبيرة في بداية الأمر. وأعتقد أنه حاليا بدأ يظهر تقدير لرؤيتنا. لقد بدأوا الحديث عن بعض الحصص - وأنه يجب تحقيق بعض الانفتاح داخل بعض المؤسسات. ويوجد نقاش قوي حتى داخل مجلس الأمن. ووجود أعضاء غير دائمين فيه نوع من التقدير لما نتحدث عنه. ونقول إنه يجب أن نستكمل كافة الأشياء. وسنضغط بقوة لأننا نعتقد أنه إذا كنا نعيش في العالم فيجب أن تكون كافة الأمور عادلة، ويجب أن تكون هناك مساواة، ويجب أن يكون النظام السائد هو الديمقراطية، وبعد ذلك يجب ممارسة ذلك. لا يمكن أن نتحدث حول ذلك، ثم لا نمارسها في المكان الذي يجب أن تُمارس فيه.
* هلا تحدثت عن علاقة جنوب أفريقيا بالصين؟ وإلى أي مدى ستذهب هذه العلاقات؟
- ستكون عميقة للغاية، فقد أسسنا لعلاقات جيدة جدا مع الصين. ووقعنا اتفاقا شاملا هاما مع الصين يفتح العلاقات الاقتصادية بين الدولتين. ولدينا علاقات تاريخية معهم. ونعمل بجد من أجل ضمان أننا نستفيد من الأسواق الصينية. كما أنهم يستفيدون من سوقنا، الذي يشمل القارة. ولذا نود أن تكون العلاقات أعمق. لا يوجد شيء غريب في ذلك لأن كافة الدول التي أتيحت لها الفرصة للقيام بذلك فعلت ذلك. العلاقات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية قوية جدا وضخمة للغاية. ولذا لا يوجد شيء خارج عن المعتاد فيما نقوم به.
* هل تشعر بالقلق لأن الصين، كدولة كبيرة جدا وبها طلب كبير على الموارد الطبيعية وتبحث عن أسواق، يمكن أن تطغى على عضو داخل مجموعة «بريكس» ليس لديه هذا النفوذ الاقتصادي؟
- مطلقا، ليست لدينا هذه المشكلة. ننظر إلى العلاقة مع الصين على أننا نستفيد من هذه السوق لتلبية احتياجاتنا. ويجب النظر إليها من هذه الرؤية: قربنا مع الصين يساعدنا عل معالجة مشكلاتنا. هذه ليست علاقة في اتجاه واحد. لدينا علاقات مع دول كبرى، مثل الولايات المتحدة. ولم تكن هناك شكوى من أنهم يغرقون اقتصادنا. مطلقا. أعتقد أن الحالتين متشابهتان، فالعلاقات مفتوحة بين الدول، والدول تعرف حدودها. ولكنهم يعرفون أيضا احتياجاتهم، مثلما نعرف. وخلال تواصلنا، نضع ذلك في عين الاعتبار. وبالطبع لدينا خبرة، حيث كانت لدينا علاقات مع دول كبرى أخرى في الماضي. وهذه ليست المرة الأولى التي تكون لدينا فيها علاقة بهذا الشكل.
* الولايات المتحدة كما تقول دولة كبرى أخرى. كيف ترى جنوب أفريقيا الدور الأميركي في العالم اليوم؟ أهي عدو أم صديق؟ هل تقوم بدور بنّاء أم هدّام فيما يتعلق بدول العالم الثالث وأفريقيا وجنوب أفريقيا؟
- لا أود أن أصف الولايات المتحدة وكأني أجيب عن سؤال عما إذا كانت عدوا أم صديقا. تجمعنا والولايات المتحدة علاقات ودية، والرؤية السائدة هنا في قارة أفريقيا هي أن الولايات المتحدة كانت تستطيع القيام بأكثر مما فعلت حتى هذه اللحظة. لكنني أعتقد أن العلاقات تنمو بشكل جيد ونتمتع بعلاقة وطيدة مع الرئيس أوباما. أعتقد أن الرئيس أوباما يتفهم التحديات التي تواجهها القارة، فقد عزز العلاقة بين الولايات المتحدة وأفريقيا. وهذا يسعدنا، لكن يمكنه القيام بالمزيد، ونحن نعمل على ذلك وعلى تعزيز العلاقات الأميركية - الأفريقية. لذا نرى الولايات المتحدة كإحدى الدول الكبرى في العالم ونعتقد أن تركيزها على دعم العلاقات الجيدة والسلام والاستقرار في العالم يأتي في إطار الدور الهام الذي تضطلع به. ونعتقد أن كل الدول ينبغي لها أن تشارك في القيام بهذا الدور. لقد تواصلنا مع الولايات المتحدة خلال قمة الثماني وقمة العشرين تواصلا بنّاء، ونعمل على التواصل فيما يتعلق بقضايا أخرى منها قضايا عالمية مثل التغير المناخي. نعتقد أنه قد آن أوان التعاون والعمل الجماعي في أي قضية مهما كان حجمها ووضع حد لهيمنة طرف على آخر. لا تتخذ الولايات المتحدة حاليا موقف الطرف الذي يريد الهيمنة والسيطرة، بل تريد التعاون ونعتقد أن هذا أمر إيجابي.
* ما الذي تود أن تراه سوى ذلك؟
- بوجه عام نعتقد في إمكانية تعزيز التنمية الاقتصادية والاستثمار والاستثمار الأجنبي المباشر. يمكن أن يقوموا بمزيد من الأعمال التجارية مع جنوب أفريقيا.
* هل أنت راضٍ بصفتك زعيما أفريقيا عن الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في بعض المناطق مثل الشرق الأوسط وعن علاقتها بالصين والحكم العالمي؟
- بوجه عام أنا لست في صراع مع الولايات المتحدة حاليا. أعتقد أنها تضطلع بدور إيجابي. نحن نتعاون مع هذه المؤسسات والمجموعات. والولايات المتحدة على استعداد للمشاركة والمساعدة. لكن لا بد أن أشير إلى أن الولايات المتحدة ليست وحدها المعنية بالأمر، فبالنظر إلى الطريقة التي يتم بها معالجة الوضع في ليبيا حاليا أعتقد مع الأسف أن الدول المتقدمة لا تنظر إلى الاتحاد الأفريقي بشكل جاد. على سبيل المثال كان الاتحاد الأفريقي أول من قدم مقترحا لإحلال السلام والاستقرار، لكن لم يكن هناك اتصال فعّال، لذا نرى أن هذا السلوك يشي بعدم أخذ الاتحاد الأفريقي على محمل الجد. هذا كل ما يمكنني قوله حاليا. نظرا لأن ليبيا تقع في قارة أفريقيا، يجب أن يلعب الاتحاد الأفريقي دورا بارزا في هذا الشأن. لكن هذا لا يؤثر على الولايات المتحدة فحسب، بل على كل القوى التي تجمعها طريقة النظر إلى حل الأزمة الليبية. آمل ألا تحدث مثل هذه الأحداث مرة أخرى.
* جنوب أفريقيا، خاصة حزب المؤتمر الوطني، ارتبطت بعلاقات طويلة بنظام القذافي. كيف شعرتم إذن حيال تعرض حليفكم القذافي لثورة داخل ليبيا؟ وبخصوص مهمتكم القريبة في ليبيا، ما النتيجة المحتملة في رأيكم؟ هل يمكن أن تتضمن منح الزعيم الليبي اللجوء لجنوب أفريقيا؟
- أولا: الوضع الليبي ليس معزولا عما يجري في العالم العربي. كما تعلمون، عانت تونس ومصر ودول أخرى من مشكلات تتعلق بأسلوب ممارسة الحكم. وانتقل الأمر لليبيا. لذا لا أعتقد أنه ينبغي أن ننظر لليبيا باعتبار أن ما يحدث بها ظهر فيها فقط. هذا غير صحيح. وإنما ما يجري توجه عام. الأمر المختلف في ليبيا أسلوب تعامل الحكومة الليبية مع الموقف، الذي أسفر عن عنف خطير - أوشك على التحول لحرب أهلية. ونؤمن من جانبنا كديمقراطيين بأن الشعب من حقه المطالبة بنظام حكم عادل. وأعتقد أن مشكلة ليبيا أن بها نظاما مغايرا للأنظمة الأخرى بشتى أرجاء العالم. وعندما يقول الشعب الليبي: «لا. الآن نريد نظام حكم مختلفا»، لا يمكنك حينها القول بأنهم مخطئون. بمجرد إثارة القضية، يجب الاهتمام بها، وليس مواجهتها بالعنف. وبغض النظر عن طبيعة النظام القائم بليبيا، بلغ الناس مرحلة أعلنوا عندها أنه: «لا يروق لنا ذلك، ونعتقد أنه ينبغي أن نحظى بأسلوب حكم طبيعي». ولا يمكننا القول إن الناس خاطئون. نحن من جانبنا لا نتخذ صف طرف مقابل آخر أبدا. ونؤكد دوما على أنه عندما يعلن الشعب مطلبا، على أي حكومة الإنصات لشعبها. وبمجرد أن تقع أعمال عنف، تصبح لدينا مشكلة. ولهذا نحن جزء من قرارات الأمم المتحدة، لأننا رأينا أعمال قتل وأعلنا أنه يجب عدم السماح بذلك. إذا قال الشعب إنه يريد تغييرا، فيجب الإنصات إليه والنظر في المنطق الذي يتحدث به. هل يطلب الشعب التغيير رغم وجود نظام مناسب يرضي الجميع؟ خاصة في الحالات التي يوجد فيها نظام حكم مختلف للغاية عن أي نظام آخر بالعالم. حينها يجب أن تنظر لنفسك وتقول إنه لا بد وأن هناك خطأ ما. لكن هذا لم يحدث. لذا نرى أنه بمجرد اندلاع صراع، علينا أن نترك للشعب الليبي فرصة مناقشة الأمر وتسوية مشكلاته. وأعلنا جميعا كأعضاء في الاتحاد الأفريقي أننا لا نرغب في تدخل خارجي لأنه لن يساعد في التسوية. وما نزال متمسكين بهذا الموقف. وبناء على هذا الموقف، شكل الاتحاد الأفريقي لجنة رفيعة المستوى للسفر لليبيا والمساعدة في تسوية الأزمة. وهذه هي اللجنة التي تنتمي إليها جنوب أفريقيا، الأمر الذي يقودنا لمسألة ثانية. إنني سأسافر إلى ليبيا لأسباب منها انتمائي لهذه اللجنة، ولاعتقادي أننا بحاجة للقيام بجهود غير عادية للمساعدة في تحسين الوضع في ليبيا - وستكون تلك المرة الثانية التي أزور فيها ليبيا منذ بداية الأزمة. من قبل ذهبنا كمجموعة، واليوم أذهب كممثل لبلادي. وكما تعملون، التقينا الثوار. والتقينا في الواقع كلا الجانبين. وعقدنا اتصالات مع كليهما. وشعرنا أنه من الضروري إيجاد سبل مختلفة للتغلب على الوضع الراهن لذا أسافر لليبيا للتعرف على أي الحلول يمكن إقرارها.
* هل تشعر أن لديك وسيلة لإقناع القذافي بقبول اتفاق؟
- مثل الجميع، بمجرد أن تظهر مشكلة تبحث عن سبيل للتواصل. أعلم الرئيس القذافي جيدا. وقد أجرينا كثيرا من المناقشات من قبل حول قضايا تخص أفريقيا، وأعتقد أنه من المحتمل للغاية أن نتمكن من مناقشة وربما النظر للقضية على نحو مختلف لأنني حريص على التعرف حول وجهة نظره إزاء ما يجري. لدينا وجهة نظر كاتحاد أفريقي سنعرضها وهي ضرورة إقرار وقف لإطلاق النار. وقد طرحنا عليه ذلك، وقبله. وبعد إطلاق النار يجب البدء في عملية مفاوضات. وعليه، فإنه لتسوية المشكلة يجب وقف أعمال القتل. هذا أمر مهم ونحن من ناحيتنا نطرح الأمر نفسه على الثوار. ونؤكد أن القتال لن يفيد، ويجب التوصل لحل. ويجب أن يكون الاتحاد الأفريقي جزءا من الحل باعتبار ليبيا عضوا به. وهذه هي النقاط التي سنثيرها. لا يمكنني التنبؤ بما سيحدث، لكن بناء على معرفتي بالقذافي، أعتقد أننا سنتمكن معه من مناقشة أمر بمقدوره دفع الأمور قدما نحو تسوية المشكلة.
* هل يمكنك تخيل حل يترك القذافي في السلطة؟
- لا أريد محاولة التخيل، أعتقد أنه من غير الصائب محاولة التكهن بما إذا كان ينبغي أن يبقى في السلطة أم لا، فهذا قرار يخص الشعب الليبي الذي يشمل القذافي، فهو ليبي أيضا. ولا أرغب في الإسراع بإصدار حكم على الموقف. (اجريت المقابلة قبل زيارة زوما الأخيرة لليبيا)
* طبقا لما يبدو عليه الموقف من بريتوريا، هل تشعر بالتفاؤل حيال مستقبل أفريقيا؟ هناك أزمات في ليبيا وزيمبابوي والكونغو وكوت ديفوار والسودان والأمية وداء الإيدز. الكثير من المشكلات.
- أشعر بتفاؤل بالغ تجاه أفريقيا. أشعر بتفاؤل كبير. أعتقد أننا انتقلنا من موقف عصيب للغاية. اليوم، أصبحنا أفضل حالا عما كنا عليه منذ 15 أو 20 عاما. نعمل معا أكثر من أي وقت مضى. وأعتقد أن هناك مزيدا من الدول الديمقراطية في القارة أكثر من أي وقت مضى. وهناك انتخابات تجري في القارة أكثر من أي وقت مضى. مثلا، لدينا نظام من الضوابط التي تحكم سير الأوضاع بالقارة، وآلية مراجعة الأقران تم إقرارها. ومزيد من الدول تنضم لهذه العملية، ومزيد من الدول تجري مراجعة أوضاعها، وهو أمر لم يكن قائما من قبل. وقد تعاملنا مع عدد من جيوب الصراعات بالقارة. اليوم يمكنك عد مناطق الصراع على أصابع اليد الواحدة، بل وحتى أقل من أصابع اليد الواحدة، بينما فيما مضى كانت الصراعات منتشرة بكل مكان. اليوم، هناك اتفاق أكبر على مستوى القارة بشأن ضرورة المضي قدما، على الأصعدة الديمقراطية وغيرها. على سبيل المثال ثبطنا فكرة الانقلابات العسكرية في أفريقيا. اليوم لا يمكن لجنرال في القارة التفكير في أنه قد يصحو من النوم غدا لينفذ انقلابا ويصبح رئيسا. هذا الأمر لا يفلح. أولئك الذين نفذوا انقلابات اضطروا للدعوة لإجراء انتخابات فورا، لأن هذا هو الموقف الذي اتخذته أفريقيا. وكل هذا يشير لضرورة أن يكون المرء متفائلا حيال أفريقيا.
* هل شعرت بخيبة الأمل لعدم تمتع جنوب أفريقيا بنفوذ أكبر في الأزمة الدائرة بخصوص حكم الرئيس موغابي في زيمبابوي؟
- أعتقد أننا لم نظن قط أن يصل الأمر لهذه الدرجة. أعتقد أننا بحلول هذه اللحظة كان الموقف في زيمبابوي سيكون محسوما، لكن بطبيعة الحال لكل دولة ديناميكياتها. أعتقد أننا حققنا تقدما في زيمبابوي، لكونها جارة وجزءا من «المجتمع التنموي جنوب الأفريقية» التي يعمل أعضاؤها معا. نحن نتعاون مع أبناء زيمبابوي بخصوص عدد من القضايا وقد أحرزنا تقدنا. في كل مرة يلتقي فيها «المجتمع التنموي الجنوب الأفريقي»، نضع تقريرا يشير لحدوث تقدم. إلا أن الأمر كان عسيرا لأن الديناميكيات هناك لم تسمح بتدخلنا لتيسير المضي قدما. ونأمل في أن نتمكن من تسوية الوضع في زيمبابوي.
* كيف تبدو الثورة العربية من منظور جنوب أفريقيا؟
- أعتقد أن العلاقات ستبقى طبيعية، ولا أظن أن تغييرا سيطرأ عليها. ما حدث بالفعل هو أن تغييرا حدث من حيث كيف يجري حكم هذه الشعوب. وأعتقد أن المظاهرات اندلعت ضد ما يصفونه بحكومات استبدادية، فالشعوب ترغب في الانفتاح والحرية والديمقراطية. وأرى ضرورة احترام ذلك لأن هذا هو رأي الشعب. إذا قال الشعب نرغب في نظام مختلف للحكم، ينبغي أن يحدث ذلك. مهما حدث من تغييرات، ستبقى جنوب أفريقيا دولة ترتبط بعلاقات طيبة بدول العالم العربي. وآمل أن تثمر هذه المظاهرات مزيدا من الانفتاح فيما يخص الحكم هناك، وأن تساعد في إقرار الديمقراطية، بحيث يمكن لهذه الدول إجراء انتخابات منتظمة جادة، بمشاركة الشعب.
* ما الدور الذي يمكن لجنوب أفريقيا في تسوية قضية البرنامج النووي الإيراني؟ خاصة وأنتم عضو غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكانت دولتك أول من فكك أسلحته النووية.
- لعبنا دورا مهما، أولا: من وجهة نظرنا كعضو في الأمم المتحدة، شاركنا في النقاشات التي جرت بهذا الشأن. كما لعبنا دورا أيضا فيما يخص العلاقات الثنائية عبر الحديث لطهران. باعتبارنا دولة ذات خبرة بالقضايا النووية وبالنظر لعلاقاتنا وكوننا عضوا بالأمم المتحدة وعضوا غير دائم بمجلس الأمن، نعتقد أنه يمكننا القيام بدور في هذا الأمر. لا أقول إنه سيكون دورا حاسما، لكن يبقى بإمكاننا القيام بدور.
* الرئيس مانديلا والرئيس مبيكي والآن الرئيس زوما - كيف تميز الرئاسات الثلاث؟
- من دون إصدار أي أحكام، أعتقد أننا قمنا بالمضي قدما على نفس الطريق. أعتقد أننا نجحنا في الاستمرار لأسباب منها أنه داخل نظامنا يحمل الحزب الحاكم أهمية كبرى. لم يعد الأفراد هم من يحددون كل شيء. بالطبع يمكن لكل فرد أن يكون له أسلوب مميز، أو طابع خاص، لكننا ننتمي جميعا لنفس الحزب وننفذ السياسات ذاتها. والمهم بالنسبة للأسماء الثلاثة التي ذكرتها، أننا ننتمي لنفس القيادة ونفس اللجنة التنفيذية الوطنية التي تحدد السياسات التي يجري تنفيذها. وهو ما يعني أن لدينا نفس الأفراد من نفس الحزب ينفذون السياسات ذاتها. وكل ما يمكن النظر إليه كاختلاف هو كما قلت أن لكل شخص أسلوبه وكيفية ممارسته القيادة. كان لدينا زوما وعملنا معا. وحرصنا على أن نكمل بعضنا البعض طيلة الوقت. وأعتقد أن انسيابا في أسلوب حكم البلاد تحقق منذ تولي مانديلا.
* ما هي المشكلة الأكثر إلحاحا التي تواجهكم كرئيس لجنوب أفريقيا؟ تعانون بالفعل من كثير من المشكلات.
- بطالة وتعليم وصحة وإسكان وإيدز وجريمة وفساد وتفاوت في الثروات.
- جميعها مشكلات ملحة، خاصة التعليم الذي استخدم كأداة في الماضي لحرمان الأغلبية الأقل تمكينا، وهو أحد أكبر التحديات التي تواجهنا. لذا يحتل التعليم الأولية الأولى بين أكبر خمس أولويات أمامنا. وإذا نجحنا في مواجهة هذا التحدي، نكون قد قطعنا نصف الطريق نحو حل جميع مشكلاتنا. لكن بالطبع تبقى هناك تحديات أخرى ونحرص على التعامل معها. أنت ذكرت الجريمة، وقد نجحنا بالفعل في تقليص معدلات الجريمة لأننا منحنا هذا الأمر أولوية. ونتعامل مع الصحة بجدية بالغة أيضا لإحداث تحول كامل به. وعليه، فإنه على صعيد جميع هذه التحديات الخطيرة، نحرص على التعامل معها. ومن بين التحديات البطالة المرتبطة بدورها بنقص المهارات والتعليم، حيث نعاين نسبة كبيرة من العاطلين الذين ينطبق عليهم وصف من يتعذر توظيفهم. وهؤلاء يشكلون تحديا. وكذلك التفاوت بين الأثرياء والفقراء، وهذا جزء من المشكلة وجزء من التحدي. وجميع هذه المشكلات ملحة. وليس من بينها ما هو أدنى أهمية عن الآخر.
* هل جنوب أفريقيا وأنت كرئيس لها ملتزمون باقتصاد السوق الحرة 100%؟
- بالتأكيد، تلك هي سياستنا. إننا نتبع اقتصادا مختلطا حيث يتحتم توفير فرصة لتدخل الدولة أيضا، لكن في الوقت ذاته نعمل على تطبيق نظام السوق الحرة.
* هل ستتحرك نحو التدخل لمجابهة مشكلات ضخمة مثل التوظيف والفقر؟
- أعتقد.. هذا أمر طبيعي، لأنه تبعا لما يمليه التاريخ والتراث علينا التدخل لتناول تراث الماضي. لكن هذا التدخل لا يخنق نمط السوق التي نبنيها. في الواقع، لم تحدث مشكلة على هذا الصعيد حتى الآن. إننا نسير على ما يرام، وأعتقد أننا نحرز تقدما جيدا للغاية.
* ما هي الرسالة التي تبعث بها لملايين من أبناء جنوب أفريقيا ممن لا يملكون وظائف وفقدوا الأمل؟ كيف ستتحسن حياتهم؟
- لدينا برامج ننوي تنفيذها، ولدينا أولويات، ويعد خلق الوظائف أولويتنا الأولى حاليا. ولدينا برامج وأطر زمنية معينة لتناول القضايا. وبالنسبة للجنوب الأفارقة، عليهم أن يتحلوا بالأمل في أن بمقدورنا ضمان تناول هذه التحديات.
* لم يبل حزب المؤتمر الوطني بلاء حسنا في الانتخابات البلدية الأخيرة، وهناك شكاوى تجاه قيادة الحزب وغياب الخدمات الحكومية والفساد. هل هذه المشكلات مترسخة في النسيج السياسي جنوب الأفريقي؟
- يجب أن أصحح لك معلومة الانتخابات المحلية التي تقول إن حزب المؤتمر الوطني لم يبل بلاء طيبا. هذه هي الفكرة التي يروج لها الإعلام. يبدو أنك قرأت كثيرا من الصحف الجنوب أفريقية! في الواقع، لقد أبلينا بلاء حسنا للغاية. في بعض الأقاليم، اكتسح حزب المؤتمر الوطني. لقد فزنا بـ62% من الأصوات. ولم تأت المعارضة في مكانة قريبة. لم يحصلوا سوى على قرابة 20%. لكن الإعلام لا يصف ذلك على نحو مناسب. ولا أتفق مطلقا مع هذه التغطية. لقد قدمنا نتائج جيدة للغاية. إن التحديات التي تواجهنا هي نتاج تراث الماضي، مثل قضية الخدمات. وأكدت وسائل الإعلام على عدم وجود خدمات، بينما في الواقع هذا غير صحيح. وهناك برامج لتغيير جودة الحياة في هذه البلاد. ولا يساورنا قلق على هذا الصعيد. ولسنا خائفين. قيادة حزب المؤتمر الوطني لا تخاف. إطلاقا. إننا أقوياء للغاية، والأغلبية الكبرى في هذه البلاد صوتت لصالح حزب المؤتمر الوطني. وأي حزب من العالم كان ليشعر بارتياح بالغ تجاه هذه النتيجة. قطعا هذا الحديث ليس صحيحا، وبالتالي فإن أساس السؤال ليس صحيحا. يمكنك أن تطرح السؤال على نحو مختلف. إن قيادة حزب المؤتمر الوطني نشطة للغاية وتحقق ما لم يتم تحقيقه من قبل قط. وأرى أن تأثير الإعلام هو ما يدفع الناس للاعتقاد بأن حزب المؤتمر الوطني يبلي بلاء سيئا، مثل العنوان الصحافي الذي يقول: «حزب المؤتمر الوطني يرتجف». ولا أدري ما معنى يرتجف. بالعكس أشعر بالارتياح وسعيد جدا بما أحرزناه من تقدم.
* ما الإسهام الذي قدمه الرئيس مانديلا في حياتك والبلاد؟
- كان له تأثير كبير. ليس مانديلا فحسب، وإنما جميع قادة حزب المؤتمر الوطني أثروا فينا. وكان للزعيم لوثولي تأثير كبير علي شخصيا. وكذلك نيلسون مانديلا وموزيز مبهيدا. لقد أثروا جميعا في الكثيرين منا فرديا وجماعيا بصور مختلفة.
* لكن ماذا قدم مانديلا تحديدا لهذه البلاد؟
- لم يؤثر في مانديلا بعد الاستقلال فحسب، وإنما أيضا خلال سنوات النضال عندما كنت شابا. وقد كان زعيما للمتطوعين. وبالتالي عملت تحت قيادته. وقد كان زعيما ديناميكيا للغاية وشديد الوضوح ويركز على القضايا على نحو جيد للغاية. وقد أصبح أول قائد للجناح العسكري لحزب المؤتمر الوطني والذي أنتمي إليه. وبالتالي قد كان قائدا لي من أوجه متنوعة. كما أنه قاد المقاومة السرية التي شاركت بها. ثم تعرض للسجن وأصبح السجين رقم واحد تقريبا في البلاد بين السجناء. وكانت هناك مجالات ظهر بها تأثيره بقوة كبيرة علينا، وطبعا كان له دور كبير في التأثير على وقيادة المفاوضات (التي أنهت حكم التمييز العنصري). وعندما شاركنا في المفاوضات وكان قائدا لفريق التفاوض أيضا. وكان جزءا ممن اضطلعوا بتطوير فلسفة حزب المؤتمر الوطني وتوجهه وسياسات الحزب وطريقه للمضي قدما. وكان قويا للغاية ولديه أفكار للمساعدة في تنفيذ سياسات الحزب. ومنح فرصة قيادتنا والتأكيد على هذه القضايا. لذا كان له نفوذ هائل على بعض منا. وحتى هذه اللحظة نقتبس من أقواله، فما قاله في الماضي يذكرنا بضرورة أن نبقى على الطريق.
• موقع «كايرو ريفيو» الاكتروني: www.thecairoreview.com-
-
يقع «ماهلامبا ندلابفو»، مقر الإقامة الرسمي لرئيس جنوب أفريقيا في بريتوريا على جانب تل منعزل مغطى بأشجار الجاكاراندا. وعلى الرغم من ذلك لم يكن هناك الكثير من الهدوء في طريق جاكوب زوما إلى الرئاسة. وأثناء الكفاح الطويل ضد التمييز العنصري كان عضوا سريا في الجناح العسكري للمؤتمر الوطني الأفريقي، وقضى عشرة أعوام في السجن بجزيرة روبن. وقبل الوصول إلى «ماهلامبا ندلابفو» في عام 2009،
كان زوما (69 عاما) معروفا بدفاعه عما يريده الشعب، وفاز بمعركة داخلية خلافية مع الرئيس ثابو مبيكي، وتمكن من تجنب اتهامات بالفساد.
ومع تولي زوما قيادة الدفة داخل البلاد، لعبت جنوب أفريقيا دورا متناميا في الشؤون الدولية، وفي الوقت نفسه استمرت في مكافحتها للفقر وعدم المساواة بعد حقبة حكم البيض. واستضافت البلاد نهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 2010 وحققت نجاحا كبيرا في ذلك. وقد كان لجنوب أفريقيا صوت مميز كعضو غير دائم في مجلس الأمن. وسعى زوما للعب دور أكثر تأثير في الشؤون الأفريقية، وظهر ذلك في سعيه للتوسط في الأزمة الليبية، وقد وجه انتقادات حادة للتدخل العسكري الذي قام به «الناتو» واتهام معمر القذافي من جانب المحكمة الجنائية الدولية. ولكن ربما كان التطور الأبرز هو قبول جنوب أفريقيا في مجموعة «بريكس» - التي تضم حاليا البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وقد أجرى مدير التحرير بـ«كايرو ريفيو» سكوت ماكلويد مقابلة مع زوما في مقر إقامته «ماهلامبا ندلابفو» وتنشر «الشرق الأوسط» مقتطفات منها بالاتفاق مع «كايرو ريفيو».
* لقد قطعت جنوب أفريقيا شوطا طويلا، صف لنا شعورك وأنت في منصب الرئيس حاليا؟
- إنها مسؤولية كبيرة، فهذا يطرح دوما تحديا كبيرا. إن تولي منصب الرئيس لهذا البلد في هذا التوقيت يفرض مسؤولية ضخمة للغاية لضمان أن جنوب أفريقيا تتحرك للأمام. إذا مُنحت هذا الشرف بتولي منصب الرئيس بجنوب أفريقيا في وقت ما، فيجب أن أساعد البلاد على التحرك قدما وأن أتركها أفضل مما كانت عليه. وهذه مسؤولية ضخمة نوعا ما.
* كيف حدث انضمام جنوب أفريقيا إلى مجموعة «بريكس»؟
- تحقق ذلك بصورة جزئية بسبب المشهد العالمي المتغير. وكما تعرف، لقد أصبحت الاقتصادات الناشئة والدول النامية قوية نوعا ما، وقد حاولت ترتيب نفسها. وإلى جانب «بريكس»، فإن جنوب أفريقيا في مجموعة «إبسا» (منتدى الحوار الذي يضم الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا)، ونلعب أيضا دورنا داخل القارة، بالإضافة إلى الأمم المتحدة. وكما تعلم فقد كنا جزءا من مجموعة الدول التي بدأت حضور مجموعة الثماني لعدد من الأعوام قبل أن تتحول إلى مجموعة العشرين، التي نحن عضو فيها حاليا. يشهد العالم تغييرا. ويوجد شعور بأن هناك المزيد من التواصل مع دول الجنوب. وهناك مجموعة السبع والسبعين. وبين الدول التي بها اقتصادات ناشئة، يمكن أن تنظر إلى هذه كنوع من الريادة. وقد ظهرت الصين والهند والبرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا والقارة الأفريقية. بدأ نقاش حول انضمام جنوب أفريقيا إلى مجموعة «بريك». ثم بدأ نقاش بين جنوب أفريقيا ومجموعة «بريك». ولكن كان هناك شيء مهم آخر من وجهة نظرنا، وهو أنه مع تغير العالم إذا كانت هناك مجموعة مثل «بريك» من دون أفريقيا، فهي بذلك كيان غير مكتمل التمثيل. ولذا كانت هناك حاجة لأن تكون دولة جنوب أفريقيا عضوا بالمجموعة لتصبح أفريقيا ممثلة ولإكمال لعبة البازل. وبعد بعض النقاش أدرك الجميع الحاجة إلى ذلك. إذا كنت جزءا من العالم، فلا يمكن أن تنفصل عن القارة الأفريقية، وهي من المناطق التي تشهد نموا سريعا. وبالطبع إذا كنت في أفريقيا، وتنظر إلى الدولة صاحبة الاقتصاد الأكثر تطورا من الناحية الاقتصادية، ستجد أن دولة جنوب أفريقيا ينطبق عليها هذا الوصف بدرجة كبيرة. كان ذلك عقب نقاشات، وبالطبع كان هناك اتفاق، وفي النهاية قُبلت جنوب أفريقيا في مجموعة «بريك» وتحول اسمها إلى «بريكس»، وأعتقد أن ذلك يمثل قيمة مضافة إلى المجموعة في حد ذاتها. ستصبح جنوب أفريقيا نقطة دخول هامة إلى القارة الأفريقية.
* ما هو هدف مجموعة «البريكس» وما هي المصلحة الوطنية لجنوب أفريقيا بأن تكون عضوا فيها؟
- أولا، تحظى مجموعة «بريكس» بأهمية لأنه «في هذا» العالم المتغير هناك قضايا أثيرت على المستوى العالمي. وعلى سبيل المثال، هناك الحاجة إلى زيادة تمثيل الدول النامية في المؤسسات البارزة - كالمؤسسات المالية، على سبيل المثال، سواء كنت تتحدث عن البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي. وبالطبع الأمم المتحدة موجودة من قبل. وهناك الكثير من الكلام عن مجلس الأمن نفسه. ويعني ذلك أن العالم القديم لديه صوت جماعي منظم للغاية، يكون في معظم القضايا دفاعا عن مواقفهم. لم يكن يريدون الانفتاح لوقت طويل. وقد بدأت هذه الاقتصادات الناشئة لتكون الصوت الأكثر ارتفاعا للدول الناشئة. وعليه أصبحت مجموعة «بريكس» في طليعة هذا الاتجاه. وبمجرد أن تكون في مجموعة «بريكس»، ترى بالفعل صوتا بديلا فيما يتعلق بالقضايا الدولية. وفي الوقت الحالي لا يمكن لأحد أن يتجاهل أعضاء مجموعة «بريكس» في الشأن العالمي. وعلى سبيل المثال، فإن كل أعضاء مجموعة «بريكس» تقريبا جزء من مجموعة العشرين. ويعرفك ذلك الأهمية من ناحية التوازن العالمي. من المهم أن تصبح هذه المجموعة قوية جدا. وعند العودة إلى مصالح الدولة، فإن هذا مهم جدا بالنسبة لجنوب أفريقيا لأن هذه اقتصادات قوية تشهد نموا. وهي لا تراجع كما الحال مع العالم القديم، الذي لا ينمو سريعا. وبناء على ذلك فإن الانضمام إلى مجموعة «بريكس» بالنسبة إلى دولة جنوب أفريقيا يعني أن لدينا فرصة للمشاركة بنفس قدر هذه الاقتصادات الكبرى، وهو ما يفيد شركاتنا وأنشطتنا التجارية - ولدينا اتفاقات أفضل تأخذ في عين الاعتبار أننا ننتمي إلى نفس المجموعة. ولذا نجد الفرص متاحة بدرجة أكبر، وسيترجم ذلك إلى تطورات في الموقف الوطني. وستستطيع شركات جنوب أفريقيا الوصول إلى اقتصادات هذه الدول. وهذه ميزة لدينا على المستوى الوطني.
* هل يجب أن تضع مجموعة «بريكس» أجندة ورؤية مشتركة؟
- سيكون هذا من الأشياء المنطقية. وأعتقد أن ذلك شيء هام لأنه لدينا قيم مشتركة، وهذا هو سبب وجودنا معا. كما أننا من الدول النامية التي لها موقف مماثل فيما يتعلق بالعالم المتقدم. نشترك في الكثير من الرؤى. وأعتقد أنه لو لم يكن ذلك في كافة القضايا، فإنه سيكون في بعض القضايا الهامة، وبالتأكيد سنجتمع مع بعضنا. ويعطينا ذلك فرصة لنكون قادرين على تبادل الرؤى فيما بيننا بشأن القضايا التي تؤثر على العالم اليوم. ولنضع في الاعتبار أن مجموعة «بريكس» تمثل تقريبا نصف سكان العالم. ولذا إذا كنت تنظر من ناحية عدد السكان أو من ناحية السوق أو من ناحية الاقتصاد نفسه، فأنت تتحدث عن شيء كبير له علاقات متشابهة وثقافات متشابهة. ولذا أعتقد أنه في مجموعة من القضايا الأخرى سوف نجتمع بالتأكيد سويا، ويكون لدينا صوت واحد، ونتفق على قضايا معنية تؤثر على الدول النامية، على سبيل المثال. ولا يعني ذلك أنه سيكون هناك اتفاق على كافة القضايا، لأنه بالتأكيد نحن دول مختلفة على الرغم من تجمعنا. ولكن أعتقد أننا سنميل إلى أن تكون لدينا رؤية مشتركة بشأن عدد من القضايا العالمية.
* هل هناك جهد واعٍ بين دول مجموعة «بريكس» للبقاء على تواصل بخصوص «موقف البريكس»؟
- نجتمع ونناقش عددا من القضايا - علاقاتنا.. إلخ. ولم نصل بالضرورة إلى أن نتناقش في كل قضية. ولكن هناك قضايا نتحدث عنها. وعلى سبيل المثال فإنه خلال الاجتماع الأخير، والذي كان بالمناسبة أول اجتماع لـ«جنوب أفريقيا»، تحدثنا عن المشكلات في العالم العربي، ولا سيما داخل ليبيا. وتحدثنا عن قرارات الأمم المتحدة التي اتخذها مجلس الأمن وكانت لدينا آراء مشتركة بخصوص هذه القضايا. ولذا لن أقول إن ذلك أصبح شيئا روتينيا، ولكن أنا متأكد من أنه بمرور الوقت، ستحدد القضايا كيف نتصرف بالفعل بخصوص هذه القضايا.
* هل القضايا ستكون اقتصادية أكثر منها سياسية؟
- أعتقد أنه ستكون هناك كافة القضايا، ولا يمكننا فصل الاقتصاد عن السياسة.
* يتساءل منتقدون كيف تشتركون في مصالح اقتصادية على الرغم من التناقض في قيم أخرى مثل حقوق الإنسان: جنوب أفريقيا رائدة في مجال حقوق الإنسان، ولكن لدى الصين مشكلة في هذا الصدد؟
- في الواقع لا أعتقد أن هذه مشكلة، ولا يمكن أن تصبح كذلك. لا يمكن أن تصبح كذلك عندما تكون جنوب أفريقيا جزءا موجودا. لا يمكن. ستتفق معي أن «دولة» واحدة توصف بأنها اقتصاد رائد في العالم وديمقراطية رائدة، الولايات المتحدة الأميركية، لديها علاقات قوية جدا اقتصاديا مع الصين. ولم تثر هذه القضية. وفي الواقع لا أعتقد أن هذه القضية ستثار. في الوقت الحالي تعد الصين واحدة من أكبر الاقتصادات، ولديها علاقات مع عدد من الدول الأخرى. وأعتقد أنه مثلما يحدث في العالم، سنظل نؤثر على بعضنا في القيم وحقوق الإنسان. نصر على حقوق الإنسان لدينا. ولدينا تاريخ جيد بخصوص ذلك ونؤمن بذلك كثيرا. ولكن لم يصبح ذلك عقبة بالنسبة لنا. وكما أقول فإن دولا كبرى أخرى تؤمن بما نؤمن به لديها علاقات قوية جدا مع الصين.
* هل تناقشت دول مجموعة «بريكس» حول انتخاب رئيس جديد لصندوق النقد الدولي؟
- لم نناقش الأمر بعد، وأنا في معرض السعي للحديث مع زملائي حول هذه القضية لأني أعتقد أنها قضية هامة على ضوء التغيير الذي تحدثت عنه.
• ذُكر أحد وزرائك (تريفور مانويل)، وهو وزير مالية سابق، كمرشح محتمل لهذا المنصب.
- بالتأكيد هذا شيء نود أن نراه، ويتسق ذلك مع رؤيتنا بأننا في حاجة إلى تغيير. ونحتاج إلى أن يكون العالم النامي موجودا في مستويات صنع القرار. وأعتقد أن الوقت حان ليتحقق ذلك.
* فيما يتعلق بالحاجة إلى إصلاح الإدارة العالمية، إلى أي مدى يجب أن يذهب ذلك؟ ما الذي يجب القيام به؟
- يفتقر النظام العالمي في هذه اللحظة إلى التوازن، فقد أسست المؤسسات العالمية الحاكمة في الأربعينيات من القرن الماضي عندما كان العالم مختلفا تماما، من ناحية الدول. وكان عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مختلفا. كانت حينها نهاية الحرب العالمية، وكان العالم يقبل على مرحلة الحرب الباردة، التي ظلت لوقت طويل. وانتهت الحرب الباردة، وأصبحت هناك الكثير من الدول. هناك الكثير من القضايا التي يجب وضعها في الاعتبار - وهي أن بعض القواعد واللوائح وضعت آنذاك ولم تكن هناك بعض الدول. وعليه فإنه على ضوء التغير الذي يحدث في العالم، توجد حاجة إلى أن يكون التمثيل مختلفا. وعلى سبيل المثال، لا يقبل أن تكون بعض المناطق الأخرى في العالم غير ممثلة في عملية صنع القرار، هذا أمر لا معنى له، فالقرارات التي تتخذ تؤثر على الجميع. وإذا أخذنا الأمم المتحدة، نرى أنه لا يوجد سبب لأن يظل مجلس الأمن محافظا على عدد قليل من ناحية العضوية الدائمة. يقول الناس: «نؤمن جميعا بالديمقراطية». ولا يمكن أن تكون رائدا في الديمقراطية، وفي نفس الوقت تتحفظ عند ممارسة ذلك. هذا ليس جيدا. لا يُقبل القول بأنه يجب على الآخرين التحلي بالديمقراطية، ولكن لدينا بعض الأشياء يجب عدم الاقتراب منها. هذا ليس جيدا. نعتقد أن مجلس الأمن يجب أن يكون مفتوحا. وبصيغة أخرى، يجب أن تكون مناطق العالم ممثلة بنفس القدر. لدينا منطقة واحدة مسيطرة وهي المنطقة الأوروبية. لماذا يجب أن يظل الوضع على هذا النحو؟ هذا أمر غير جيد. هذه هي الآراء التي نؤمن بها. ونضيف إلى هذا المؤسسات المالية. الكثير من القرارات المالية التي تتخذ تؤثر على العالم، وبعض المناطق نامية، وتؤثر الكثير من هذه القرارات على هذه المناطق. لماذا لا يستطيعون أن يكونوا جزءا من عملية صنع القرار؟ هذا هو الشيء الأكثر أهمية.
* إلى أي مدى ستضغط من أجل تحقيق ذلك؟ وما هي طبيعة المعارضة التي تواجهها من الدول الغربية؟
- نضغط بقوة من أجل ذلك، بقوة كبيرة. وكانت هناك معارضة كبيرة في بداية الأمر. وأعتقد أنه حاليا بدأ يظهر تقدير لرؤيتنا. لقد بدأوا الحديث عن بعض الحصص - وأنه يجب تحقيق بعض الانفتاح داخل بعض المؤسسات. ويوجد نقاش قوي حتى داخل مجلس الأمن. ووجود أعضاء غير دائمين فيه نوع من التقدير لما نتحدث عنه. ونقول إنه يجب أن نستكمل كافة الأشياء. وسنضغط بقوة لأننا نعتقد أنه إذا كنا نعيش في العالم فيجب أن تكون كافة الأمور عادلة، ويجب أن تكون هناك مساواة، ويجب أن يكون النظام السائد هو الديمقراطية، وبعد ذلك يجب ممارسة ذلك. لا يمكن أن نتحدث حول ذلك، ثم لا نمارسها في المكان الذي يجب أن تُمارس فيه.
* هلا تحدثت عن علاقة جنوب أفريقيا بالصين؟ وإلى أي مدى ستذهب هذه العلاقات؟
- ستكون عميقة للغاية، فقد أسسنا لعلاقات جيدة جدا مع الصين. ووقعنا اتفاقا شاملا هاما مع الصين يفتح العلاقات الاقتصادية بين الدولتين. ولدينا علاقات تاريخية معهم. ونعمل بجد من أجل ضمان أننا نستفيد من الأسواق الصينية. كما أنهم يستفيدون من سوقنا، الذي يشمل القارة. ولذا نود أن تكون العلاقات أعمق. لا يوجد شيء غريب في ذلك لأن كافة الدول التي أتيحت لها الفرصة للقيام بذلك فعلت ذلك. العلاقات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية قوية جدا وضخمة للغاية. ولذا لا يوجد شيء خارج عن المعتاد فيما نقوم به.
* هل تشعر بالقلق لأن الصين، كدولة كبيرة جدا وبها طلب كبير على الموارد الطبيعية وتبحث عن أسواق، يمكن أن تطغى على عضو داخل مجموعة «بريكس» ليس لديه هذا النفوذ الاقتصادي؟
- مطلقا، ليست لدينا هذه المشكلة. ننظر إلى العلاقة مع الصين على أننا نستفيد من هذه السوق لتلبية احتياجاتنا. ويجب النظر إليها من هذه الرؤية: قربنا مع الصين يساعدنا عل معالجة مشكلاتنا. هذه ليست علاقة في اتجاه واحد. لدينا علاقات مع دول كبرى، مثل الولايات المتحدة. ولم تكن هناك شكوى من أنهم يغرقون اقتصادنا. مطلقا. أعتقد أن الحالتين متشابهتان، فالعلاقات مفتوحة بين الدول، والدول تعرف حدودها. ولكنهم يعرفون أيضا احتياجاتهم، مثلما نعرف. وخلال تواصلنا، نضع ذلك في عين الاعتبار. وبالطبع لدينا خبرة، حيث كانت لدينا علاقات مع دول كبرى أخرى في الماضي. وهذه ليست المرة الأولى التي تكون لدينا فيها علاقة بهذا الشكل.
* الولايات المتحدة كما تقول دولة كبرى أخرى. كيف ترى جنوب أفريقيا الدور الأميركي في العالم اليوم؟ أهي عدو أم صديق؟ هل تقوم بدور بنّاء أم هدّام فيما يتعلق بدول العالم الثالث وأفريقيا وجنوب أفريقيا؟
- لا أود أن أصف الولايات المتحدة وكأني أجيب عن سؤال عما إذا كانت عدوا أم صديقا. تجمعنا والولايات المتحدة علاقات ودية، والرؤية السائدة هنا في قارة أفريقيا هي أن الولايات المتحدة كانت تستطيع القيام بأكثر مما فعلت حتى هذه اللحظة. لكنني أعتقد أن العلاقات تنمو بشكل جيد ونتمتع بعلاقة وطيدة مع الرئيس أوباما. أعتقد أن الرئيس أوباما يتفهم التحديات التي تواجهها القارة، فقد عزز العلاقة بين الولايات المتحدة وأفريقيا. وهذا يسعدنا، لكن يمكنه القيام بالمزيد، ونحن نعمل على ذلك وعلى تعزيز العلاقات الأميركية - الأفريقية. لذا نرى الولايات المتحدة كإحدى الدول الكبرى في العالم ونعتقد أن تركيزها على دعم العلاقات الجيدة والسلام والاستقرار في العالم يأتي في إطار الدور الهام الذي تضطلع به. ونعتقد أن كل الدول ينبغي لها أن تشارك في القيام بهذا الدور. لقد تواصلنا مع الولايات المتحدة خلال قمة الثماني وقمة العشرين تواصلا بنّاء، ونعمل على التواصل فيما يتعلق بقضايا أخرى منها قضايا عالمية مثل التغير المناخي. نعتقد أنه قد آن أوان التعاون والعمل الجماعي في أي قضية مهما كان حجمها ووضع حد لهيمنة طرف على آخر. لا تتخذ الولايات المتحدة حاليا موقف الطرف الذي يريد الهيمنة والسيطرة، بل تريد التعاون ونعتقد أن هذا أمر إيجابي.
* ما الذي تود أن تراه سوى ذلك؟
- بوجه عام نعتقد في إمكانية تعزيز التنمية الاقتصادية والاستثمار والاستثمار الأجنبي المباشر. يمكن أن يقوموا بمزيد من الأعمال التجارية مع جنوب أفريقيا.
* هل أنت راضٍ بصفتك زعيما أفريقيا عن الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في بعض المناطق مثل الشرق الأوسط وعن علاقتها بالصين والحكم العالمي؟
- بوجه عام أنا لست في صراع مع الولايات المتحدة حاليا. أعتقد أنها تضطلع بدور إيجابي. نحن نتعاون مع هذه المؤسسات والمجموعات. والولايات المتحدة على استعداد للمشاركة والمساعدة. لكن لا بد أن أشير إلى أن الولايات المتحدة ليست وحدها المعنية بالأمر، فبالنظر إلى الطريقة التي يتم بها معالجة الوضع في ليبيا حاليا أعتقد مع الأسف أن الدول المتقدمة لا تنظر إلى الاتحاد الأفريقي بشكل جاد. على سبيل المثال كان الاتحاد الأفريقي أول من قدم مقترحا لإحلال السلام والاستقرار، لكن لم يكن هناك اتصال فعّال، لذا نرى أن هذا السلوك يشي بعدم أخذ الاتحاد الأفريقي على محمل الجد. هذا كل ما يمكنني قوله حاليا. نظرا لأن ليبيا تقع في قارة أفريقيا، يجب أن يلعب الاتحاد الأفريقي دورا بارزا في هذا الشأن. لكن هذا لا يؤثر على الولايات المتحدة فحسب، بل على كل القوى التي تجمعها طريقة النظر إلى حل الأزمة الليبية. آمل ألا تحدث مثل هذه الأحداث مرة أخرى.
* جنوب أفريقيا، خاصة حزب المؤتمر الوطني، ارتبطت بعلاقات طويلة بنظام القذافي. كيف شعرتم إذن حيال تعرض حليفكم القذافي لثورة داخل ليبيا؟ وبخصوص مهمتكم القريبة في ليبيا، ما النتيجة المحتملة في رأيكم؟ هل يمكن أن تتضمن منح الزعيم الليبي اللجوء لجنوب أفريقيا؟
- أولا: الوضع الليبي ليس معزولا عما يجري في العالم العربي. كما تعلمون، عانت تونس ومصر ودول أخرى من مشكلات تتعلق بأسلوب ممارسة الحكم. وانتقل الأمر لليبيا. لذا لا أعتقد أنه ينبغي أن ننظر لليبيا باعتبار أن ما يحدث بها ظهر فيها فقط. هذا غير صحيح. وإنما ما يجري توجه عام. الأمر المختلف في ليبيا أسلوب تعامل الحكومة الليبية مع الموقف، الذي أسفر عن عنف خطير - أوشك على التحول لحرب أهلية. ونؤمن من جانبنا كديمقراطيين بأن الشعب من حقه المطالبة بنظام حكم عادل. وأعتقد أن مشكلة ليبيا أن بها نظاما مغايرا للأنظمة الأخرى بشتى أرجاء العالم. وعندما يقول الشعب الليبي: «لا. الآن نريد نظام حكم مختلفا»، لا يمكنك حينها القول بأنهم مخطئون. بمجرد إثارة القضية، يجب الاهتمام بها، وليس مواجهتها بالعنف. وبغض النظر عن طبيعة النظام القائم بليبيا، بلغ الناس مرحلة أعلنوا عندها أنه: «لا يروق لنا ذلك، ونعتقد أنه ينبغي أن نحظى بأسلوب حكم طبيعي». ولا يمكننا القول إن الناس خاطئون. نحن من جانبنا لا نتخذ صف طرف مقابل آخر أبدا. ونؤكد دوما على أنه عندما يعلن الشعب مطلبا، على أي حكومة الإنصات لشعبها. وبمجرد أن تقع أعمال عنف، تصبح لدينا مشكلة. ولهذا نحن جزء من قرارات الأمم المتحدة، لأننا رأينا أعمال قتل وأعلنا أنه يجب عدم السماح بذلك. إذا قال الشعب إنه يريد تغييرا، فيجب الإنصات إليه والنظر في المنطق الذي يتحدث به. هل يطلب الشعب التغيير رغم وجود نظام مناسب يرضي الجميع؟ خاصة في الحالات التي يوجد فيها نظام حكم مختلف للغاية عن أي نظام آخر بالعالم. حينها يجب أن تنظر لنفسك وتقول إنه لا بد وأن هناك خطأ ما. لكن هذا لم يحدث. لذا نرى أنه بمجرد اندلاع صراع، علينا أن نترك للشعب الليبي فرصة مناقشة الأمر وتسوية مشكلاته. وأعلنا جميعا كأعضاء في الاتحاد الأفريقي أننا لا نرغب في تدخل خارجي لأنه لن يساعد في التسوية. وما نزال متمسكين بهذا الموقف. وبناء على هذا الموقف، شكل الاتحاد الأفريقي لجنة رفيعة المستوى للسفر لليبيا والمساعدة في تسوية الأزمة. وهذه هي اللجنة التي تنتمي إليها جنوب أفريقيا، الأمر الذي يقودنا لمسألة ثانية. إنني سأسافر إلى ليبيا لأسباب منها انتمائي لهذه اللجنة، ولاعتقادي أننا بحاجة للقيام بجهود غير عادية للمساعدة في تحسين الوضع في ليبيا - وستكون تلك المرة الثانية التي أزور فيها ليبيا منذ بداية الأزمة. من قبل ذهبنا كمجموعة، واليوم أذهب كممثل لبلادي. وكما تعملون، التقينا الثوار. والتقينا في الواقع كلا الجانبين. وعقدنا اتصالات مع كليهما. وشعرنا أنه من الضروري إيجاد سبل مختلفة للتغلب على الوضع الراهن لذا أسافر لليبيا للتعرف على أي الحلول يمكن إقرارها.
* هل تشعر أن لديك وسيلة لإقناع القذافي بقبول اتفاق؟
- مثل الجميع، بمجرد أن تظهر مشكلة تبحث عن سبيل للتواصل. أعلم الرئيس القذافي جيدا. وقد أجرينا كثيرا من المناقشات من قبل حول قضايا تخص أفريقيا، وأعتقد أنه من المحتمل للغاية أن نتمكن من مناقشة وربما النظر للقضية على نحو مختلف لأنني حريص على التعرف حول وجهة نظره إزاء ما يجري. لدينا وجهة نظر كاتحاد أفريقي سنعرضها وهي ضرورة إقرار وقف لإطلاق النار. وقد طرحنا عليه ذلك، وقبله. وبعد إطلاق النار يجب البدء في عملية مفاوضات. وعليه، فإنه لتسوية المشكلة يجب وقف أعمال القتل. هذا أمر مهم ونحن من ناحيتنا نطرح الأمر نفسه على الثوار. ونؤكد أن القتال لن يفيد، ويجب التوصل لحل. ويجب أن يكون الاتحاد الأفريقي جزءا من الحل باعتبار ليبيا عضوا به. وهذه هي النقاط التي سنثيرها. لا يمكنني التنبؤ بما سيحدث، لكن بناء على معرفتي بالقذافي، أعتقد أننا سنتمكن معه من مناقشة أمر بمقدوره دفع الأمور قدما نحو تسوية المشكلة.
* هل يمكنك تخيل حل يترك القذافي في السلطة؟
- لا أريد محاولة التخيل، أعتقد أنه من غير الصائب محاولة التكهن بما إذا كان ينبغي أن يبقى في السلطة أم لا، فهذا قرار يخص الشعب الليبي الذي يشمل القذافي، فهو ليبي أيضا. ولا أرغب في الإسراع بإصدار حكم على الموقف. (اجريت المقابلة قبل زيارة زوما الأخيرة لليبيا)
* طبقا لما يبدو عليه الموقف من بريتوريا، هل تشعر بالتفاؤل حيال مستقبل أفريقيا؟ هناك أزمات في ليبيا وزيمبابوي والكونغو وكوت ديفوار والسودان والأمية وداء الإيدز. الكثير من المشكلات.
- أشعر بتفاؤل بالغ تجاه أفريقيا. أشعر بتفاؤل كبير. أعتقد أننا انتقلنا من موقف عصيب للغاية. اليوم، أصبحنا أفضل حالا عما كنا عليه منذ 15 أو 20 عاما. نعمل معا أكثر من أي وقت مضى. وأعتقد أن هناك مزيدا من الدول الديمقراطية في القارة أكثر من أي وقت مضى. وهناك انتخابات تجري في القارة أكثر من أي وقت مضى. مثلا، لدينا نظام من الضوابط التي تحكم سير الأوضاع بالقارة، وآلية مراجعة الأقران تم إقرارها. ومزيد من الدول تنضم لهذه العملية، ومزيد من الدول تجري مراجعة أوضاعها، وهو أمر لم يكن قائما من قبل. وقد تعاملنا مع عدد من جيوب الصراعات بالقارة. اليوم يمكنك عد مناطق الصراع على أصابع اليد الواحدة، بل وحتى أقل من أصابع اليد الواحدة، بينما فيما مضى كانت الصراعات منتشرة بكل مكان. اليوم، هناك اتفاق أكبر على مستوى القارة بشأن ضرورة المضي قدما، على الأصعدة الديمقراطية وغيرها. على سبيل المثال ثبطنا فكرة الانقلابات العسكرية في أفريقيا. اليوم لا يمكن لجنرال في القارة التفكير في أنه قد يصحو من النوم غدا لينفذ انقلابا ويصبح رئيسا. هذا الأمر لا يفلح. أولئك الذين نفذوا انقلابات اضطروا للدعوة لإجراء انتخابات فورا، لأن هذا هو الموقف الذي اتخذته أفريقيا. وكل هذا يشير لضرورة أن يكون المرء متفائلا حيال أفريقيا.
* هل شعرت بخيبة الأمل لعدم تمتع جنوب أفريقيا بنفوذ أكبر في الأزمة الدائرة بخصوص حكم الرئيس موغابي في زيمبابوي؟
- أعتقد أننا لم نظن قط أن يصل الأمر لهذه الدرجة. أعتقد أننا بحلول هذه اللحظة كان الموقف في زيمبابوي سيكون محسوما، لكن بطبيعة الحال لكل دولة ديناميكياتها. أعتقد أننا حققنا تقدما في زيمبابوي، لكونها جارة وجزءا من «المجتمع التنموي جنوب الأفريقية» التي يعمل أعضاؤها معا. نحن نتعاون مع أبناء زيمبابوي بخصوص عدد من القضايا وقد أحرزنا تقدنا. في كل مرة يلتقي فيها «المجتمع التنموي الجنوب الأفريقي»، نضع تقريرا يشير لحدوث تقدم. إلا أن الأمر كان عسيرا لأن الديناميكيات هناك لم تسمح بتدخلنا لتيسير المضي قدما. ونأمل في أن نتمكن من تسوية الوضع في زيمبابوي.
* كيف تبدو الثورة العربية من منظور جنوب أفريقيا؟
- أعتقد أن العلاقات ستبقى طبيعية، ولا أظن أن تغييرا سيطرأ عليها. ما حدث بالفعل هو أن تغييرا حدث من حيث كيف يجري حكم هذه الشعوب. وأعتقد أن المظاهرات اندلعت ضد ما يصفونه بحكومات استبدادية، فالشعوب ترغب في الانفتاح والحرية والديمقراطية. وأرى ضرورة احترام ذلك لأن هذا هو رأي الشعب. إذا قال الشعب نرغب في نظام مختلف للحكم، ينبغي أن يحدث ذلك. مهما حدث من تغييرات، ستبقى جنوب أفريقيا دولة ترتبط بعلاقات طيبة بدول العالم العربي. وآمل أن تثمر هذه المظاهرات مزيدا من الانفتاح فيما يخص الحكم هناك، وأن تساعد في إقرار الديمقراطية، بحيث يمكن لهذه الدول إجراء انتخابات منتظمة جادة، بمشاركة الشعب.
* ما الدور الذي يمكن لجنوب أفريقيا في تسوية قضية البرنامج النووي الإيراني؟ خاصة وأنتم عضو غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكانت دولتك أول من فكك أسلحته النووية.
- لعبنا دورا مهما، أولا: من وجهة نظرنا كعضو في الأمم المتحدة، شاركنا في النقاشات التي جرت بهذا الشأن. كما لعبنا دورا أيضا فيما يخص العلاقات الثنائية عبر الحديث لطهران. باعتبارنا دولة ذات خبرة بالقضايا النووية وبالنظر لعلاقاتنا وكوننا عضوا بالأمم المتحدة وعضوا غير دائم بمجلس الأمن، نعتقد أنه يمكننا القيام بدور في هذا الأمر. لا أقول إنه سيكون دورا حاسما، لكن يبقى بإمكاننا القيام بدور.
* الرئيس مانديلا والرئيس مبيكي والآن الرئيس زوما - كيف تميز الرئاسات الثلاث؟
- من دون إصدار أي أحكام، أعتقد أننا قمنا بالمضي قدما على نفس الطريق. أعتقد أننا نجحنا في الاستمرار لأسباب منها أنه داخل نظامنا يحمل الحزب الحاكم أهمية كبرى. لم يعد الأفراد هم من يحددون كل شيء. بالطبع يمكن لكل فرد أن يكون له أسلوب مميز، أو طابع خاص، لكننا ننتمي جميعا لنفس الحزب وننفذ السياسات ذاتها. والمهم بالنسبة للأسماء الثلاثة التي ذكرتها، أننا ننتمي لنفس القيادة ونفس اللجنة التنفيذية الوطنية التي تحدد السياسات التي يجري تنفيذها. وهو ما يعني أن لدينا نفس الأفراد من نفس الحزب ينفذون السياسات ذاتها. وكل ما يمكن النظر إليه كاختلاف هو كما قلت أن لكل شخص أسلوبه وكيفية ممارسته القيادة. كان لدينا زوما وعملنا معا. وحرصنا على أن نكمل بعضنا البعض طيلة الوقت. وأعتقد أن انسيابا في أسلوب حكم البلاد تحقق منذ تولي مانديلا.
* ما هي المشكلة الأكثر إلحاحا التي تواجهكم كرئيس لجنوب أفريقيا؟ تعانون بالفعل من كثير من المشكلات.
- بطالة وتعليم وصحة وإسكان وإيدز وجريمة وفساد وتفاوت في الثروات.
- جميعها مشكلات ملحة، خاصة التعليم الذي استخدم كأداة في الماضي لحرمان الأغلبية الأقل تمكينا، وهو أحد أكبر التحديات التي تواجهنا. لذا يحتل التعليم الأولية الأولى بين أكبر خمس أولويات أمامنا. وإذا نجحنا في مواجهة هذا التحدي، نكون قد قطعنا نصف الطريق نحو حل جميع مشكلاتنا. لكن بالطبع تبقى هناك تحديات أخرى ونحرص على التعامل معها. أنت ذكرت الجريمة، وقد نجحنا بالفعل في تقليص معدلات الجريمة لأننا منحنا هذا الأمر أولوية. ونتعامل مع الصحة بجدية بالغة أيضا لإحداث تحول كامل به. وعليه، فإنه على صعيد جميع هذه التحديات الخطيرة، نحرص على التعامل معها. ومن بين التحديات البطالة المرتبطة بدورها بنقص المهارات والتعليم، حيث نعاين نسبة كبيرة من العاطلين الذين ينطبق عليهم وصف من يتعذر توظيفهم. وهؤلاء يشكلون تحديا. وكذلك التفاوت بين الأثرياء والفقراء، وهذا جزء من المشكلة وجزء من التحدي. وجميع هذه المشكلات ملحة. وليس من بينها ما هو أدنى أهمية عن الآخر.
* هل جنوب أفريقيا وأنت كرئيس لها ملتزمون باقتصاد السوق الحرة 100%؟
- بالتأكيد، تلك هي سياستنا. إننا نتبع اقتصادا مختلطا حيث يتحتم توفير فرصة لتدخل الدولة أيضا، لكن في الوقت ذاته نعمل على تطبيق نظام السوق الحرة.
* هل ستتحرك نحو التدخل لمجابهة مشكلات ضخمة مثل التوظيف والفقر؟
- أعتقد.. هذا أمر طبيعي، لأنه تبعا لما يمليه التاريخ والتراث علينا التدخل لتناول تراث الماضي. لكن هذا التدخل لا يخنق نمط السوق التي نبنيها. في الواقع، لم تحدث مشكلة على هذا الصعيد حتى الآن. إننا نسير على ما يرام، وأعتقد أننا نحرز تقدما جيدا للغاية.
* ما هي الرسالة التي تبعث بها لملايين من أبناء جنوب أفريقيا ممن لا يملكون وظائف وفقدوا الأمل؟ كيف ستتحسن حياتهم؟
- لدينا برامج ننوي تنفيذها، ولدينا أولويات، ويعد خلق الوظائف أولويتنا الأولى حاليا. ولدينا برامج وأطر زمنية معينة لتناول القضايا. وبالنسبة للجنوب الأفارقة، عليهم أن يتحلوا بالأمل في أن بمقدورنا ضمان تناول هذه التحديات.
* لم يبل حزب المؤتمر الوطني بلاء حسنا في الانتخابات البلدية الأخيرة، وهناك شكاوى تجاه قيادة الحزب وغياب الخدمات الحكومية والفساد. هل هذه المشكلات مترسخة في النسيج السياسي جنوب الأفريقي؟
- يجب أن أصحح لك معلومة الانتخابات المحلية التي تقول إن حزب المؤتمر الوطني لم يبل بلاء طيبا. هذه هي الفكرة التي يروج لها الإعلام. يبدو أنك قرأت كثيرا من الصحف الجنوب أفريقية! في الواقع، لقد أبلينا بلاء حسنا للغاية. في بعض الأقاليم، اكتسح حزب المؤتمر الوطني. لقد فزنا بـ62% من الأصوات. ولم تأت المعارضة في مكانة قريبة. لم يحصلوا سوى على قرابة 20%. لكن الإعلام لا يصف ذلك على نحو مناسب. ولا أتفق مطلقا مع هذه التغطية. لقد قدمنا نتائج جيدة للغاية. إن التحديات التي تواجهنا هي نتاج تراث الماضي، مثل قضية الخدمات. وأكدت وسائل الإعلام على عدم وجود خدمات، بينما في الواقع هذا غير صحيح. وهناك برامج لتغيير جودة الحياة في هذه البلاد. ولا يساورنا قلق على هذا الصعيد. ولسنا خائفين. قيادة حزب المؤتمر الوطني لا تخاف. إطلاقا. إننا أقوياء للغاية، والأغلبية الكبرى في هذه البلاد صوتت لصالح حزب المؤتمر الوطني. وأي حزب من العالم كان ليشعر بارتياح بالغ تجاه هذه النتيجة. قطعا هذا الحديث ليس صحيحا، وبالتالي فإن أساس السؤال ليس صحيحا. يمكنك أن تطرح السؤال على نحو مختلف. إن قيادة حزب المؤتمر الوطني نشطة للغاية وتحقق ما لم يتم تحقيقه من قبل قط. وأرى أن تأثير الإعلام هو ما يدفع الناس للاعتقاد بأن حزب المؤتمر الوطني يبلي بلاء سيئا، مثل العنوان الصحافي الذي يقول: «حزب المؤتمر الوطني يرتجف». ولا أدري ما معنى يرتجف. بالعكس أشعر بالارتياح وسعيد جدا بما أحرزناه من تقدم.
* ما الإسهام الذي قدمه الرئيس مانديلا في حياتك والبلاد؟
- كان له تأثير كبير. ليس مانديلا فحسب، وإنما جميع قادة حزب المؤتمر الوطني أثروا فينا. وكان للزعيم لوثولي تأثير كبير علي شخصيا. وكذلك نيلسون مانديلا وموزيز مبهيدا. لقد أثروا جميعا في الكثيرين منا فرديا وجماعيا بصور مختلفة.
* لكن ماذا قدم مانديلا تحديدا لهذه البلاد؟
- لم يؤثر في مانديلا بعد الاستقلال فحسب، وإنما أيضا خلال سنوات النضال عندما كنت شابا. وقد كان زعيما للمتطوعين. وبالتالي عملت تحت قيادته. وقد كان زعيما ديناميكيا للغاية وشديد الوضوح ويركز على القضايا على نحو جيد للغاية. وقد أصبح أول قائد للجناح العسكري لحزب المؤتمر الوطني والذي أنتمي إليه. وبالتالي قد كان قائدا لي من أوجه متنوعة. كما أنه قاد المقاومة السرية التي شاركت بها. ثم تعرض للسجن وأصبح السجين رقم واحد تقريبا في البلاد بين السجناء. وكانت هناك مجالات ظهر بها تأثيره بقوة كبيرة علينا، وطبعا كان له دور كبير في التأثير على وقيادة المفاوضات (التي أنهت حكم التمييز العنصري). وعندما شاركنا في المفاوضات وكان قائدا لفريق التفاوض أيضا. وكان جزءا ممن اضطلعوا بتطوير فلسفة حزب المؤتمر الوطني وتوجهه وسياسات الحزب وطريقه للمضي قدما. وكان قويا للغاية ولديه أفكار للمساعدة في تنفيذ سياسات الحزب. ومنح فرصة قيادتنا والتأكيد على هذه القضايا. لذا كان له نفوذ هائل على بعض منا. وحتى هذه اللحظة نقتبس من أقواله، فما قاله في الماضي يذكرنا بضرورة أن نبقى على الطريق.
• موقع «كايرو ريفيو» الاكتروني: www.thecairoreview.com-
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق