طرابلس الغرب - بدأت الأسبوع الماضي تتخذ التطورات في ليبيا منحاً تصاعدياً مع التقدم الملحوظ على المسارين السياسي والميداني.
ورغم تأكيد إيطاليا على وجود خلافات داخل حلف شمالي الأطلسي (الناتو) في طريقة التعاطي مع نظام العقيد معمر القذافي من جهة والمجلس الانتقالي من جهة أخرى، إلا أن تركيا وفرنساً أبدتا إشارات واضحة باتجاه الحسم، رغم أن أنقرة أعربت عن أملها في التوصل لحل سياسي ينهي الصراع الدائر في ليبيا،
مشيرة إلى أن معالجة المشاكل المالية للثوار الليبيين ستكون في صلب الاجتماع المقبل لمجموعة الاتصال بشأن ليبيا والمقرر عقده في إسطنبول الشهر الجاري. أما واشنطن فنأت بنفسها عن التطورات الأخيرة.فقد أكد وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو في مؤتمر صحفي مشترك في أنقرة مع نظيره الإماراتي عبد الله بن زايد أن بلاده تتطلع إلى التوصل لحل سياسي. وأضاف أوغلو أن هناك بعض الخطوات التي يتعين على جميع الأطراف المعنية اتخاذها بشأن الوضع الليبي، وأكثرها إلحاحا وضع حد "لإراقة الدماء والبدء بعملية انتقال سياسي".
وجاءت تصريحات وزير الخارجية التركي وسط أنباء عن محادثات بشأن تنحي القذافي مقابل ضمانات أمنية، في حين نفى متحدث باسم الحكومة الليبية ما يقال عن نية القذافي الحصول على ملاذ آمن داخل أو خارج البلاد.
وعززت تركيا في الأيام الماضية حركتها الدبلوماسية وشددت لهجتها تجاه نظام طرابلس، وأعلنت السبت الماضي عن سحب سفيرها في طرابلس بشكل نهائي. وفي اليوم نفسه نشرت الجريدة الرسمية مرسوما حكوميا ينص على أن يشمل القانون التركي العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة في شباط (فبراير) الماضي ضد القذافي وعائلته والمقربين من نظامه.
وفي فرنسا أمر الرئيس نيكولا ساركوزي الجيش الفرنسي بالانتصار على معمر القذافي فوراً وبأسرع وقت ممكن، حسب صحيفة "لو كانار انشينيه"، وإنهاء الحرب خلال أسبوع. وأمهل الرئيس الفرنسي قيادة الأركان أسبوعاً لا أكثر لانتزاع "رأس القذافي".
ونقلت صحيفة "لو كانار انشينيه" غيظ الضباط في مركز التخطيط الذين يعملون منذ أسابيع من دون كلل، لتحقيق نزوات الرئيس الإمبراطورية، وحنق الجنرالات الذين تلقوا أوامر واضحة بحشد كل ما أمكن لطرد القذافي من طرابلس قبل صبيحة ١٤ تموز (يوليو) وليس بعدها.
أما في واشنطن فقد سحب زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأميركي هاري ريد الثلاثاء الماضي مشروع قرار من جدول الأعمال يجيز تدخلا عسكريا أميركيا في ليبيا. وبرر ريد موقفه بالقول إن أعضاء المجلس بحاجة إلى التركيز على المسائل المتعلقة بالميزانية الأميركية والديون.
وكان مجلس النواب في الكونغرس قد رفض في حزيران (يونيو) الماضي مشروع قرار مماثل يسمح بالعمل العسكري الأميركي في ليبيا، ولذلك فإن مشروع القرار المطروح على مجلس الشيوخ بهذا الشأن ليس أمامه فرصة ليصبح قانونا حتى لو أقره المجلس في نهاية المطاف.
تقدم الثوار
ميدانياً، شق الثوار الليبيون طريقهم الأسبوع الماضي عبر الخطوط الدفاعية وتقدموا على جبهتين حيث استولوا على موقعين هامين، مهددين بذلك طريق الهروب الرئيسي للعقيد القذافي من طرابلس في أكبر هجوم بري منذ أسابيع. وبدأت العملية، التي شملت مقاتلين جاؤوا من بنغازي إلى غرب ليبيا عبر تونس، بعد الفجر بقليل. وأطلقت الصواريخ وقذائف الهاون من مواقع الثوار باتجاه قرية القوالش في سفح سلسلة جبال نفوسة الغربية.
وأشارت الصحيفة إلى أن مئات التعزيزات العسكرية للثوار انتقلت إلى غربي البلاد من بنغازي منذ أيار (مايو) استعدادا لأحدث هجوم مستخدمين جسرا جويا شبه سري ينقلهم إلى تونس ومنها يتسللون إلى الحدود ثم إلى جبال نفوسة. وكثير منهم تم تجنيدهم من طرابلس وشكلوا وحدة سميت كتيبة طرابلس لتكون حلقة اتصال مع خلايا الثوار وتوجه القوات من خارج المنطقة إلى المدينة.
لكن مسؤولي الثوار بالمجلس الانتقالي نبهوا إلى أن الإطاحة بالعقيد قد تستغرق عدة أشهر أخرى، وأقروا بوجود انقسامات في قيادة الثوار وإخفاقات بالتخطيط. وقال أحدهم إن المجلس الانتقالي ليس لديه فكرة عن كيفية التحرك من هنا إلى الأمام. وقد أصبح منقسما على نفسه وهناك مسائل ضخمة تتعلق بالنواحي الطبية والمالية والوقود والتسليح تحتاج إلى توضيح.
وتمكن الثوار الليبيون من الاستيلاء على بلدة القواليش جنوب غرب طرابلس بعد ساعات من المعارك مع كتائب العقيد معمر القذافي مما يمكنهم من دفع خط الجبهة صوب العاصمة. وقد تدفق عشرات من مقاتلي الثوار على القرية من نقطة تفتيش انسحبت منها القوات الحكومية وأخذوا يطلقون النار في الهواء وهم يكبرون احتفالا بالسيطرة على القرية. وقال الثوار الليبيون إنهم بدؤوا شن هجوم على كتائب القذافي المتمركزة على بعد خمسين كيلو مترا إلى الجنوب من العاصمة طرابلس.
ويهدف المعارضون من السيطرة على القواليش إلى التقدم باتجاه الجنوب الشرقي للعاصمة. وتعتبر قرية القواليش مهمة للثوار الليبيين من الناحية الإستراتيجية لأن مدينة غريان الأكبر تقع بعدها باتجاه الشرق وتسيطر على الطريق السريع الواقع شمال العاصمة طرابلس.
أزمة إنسانية
على المستوى الإنساني، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الثلاثاء الماضي إن الرعاية الصحية وإمدادات الغذاء تتدهور في ليبيا، معبرة عن قلقها بخصوص إمكانية تدهور الوضع الإنساني إذا اندلع قتال في العاصمة طرابلس، في حين يستمر نظام العقيد معمر القذافي في دفع الرواتب ودعم الغذاء في المناطق التي يسيطر عليها.
وقال رئيس وفد اللجنة في طرابلس بول كاستيلا إن اللجنة قلقة بشأن الوضع الذي يتغير بسرعة وقد يصبح أعنف مما هو اليوم. وأضاف أنهم يستعدون للاستجابة للحاجات العاجلة إذا اندلع القتال في طرابلس، لأنهم يرون خطوط الجبهات تتحرك باستمرار والقتال مستمر.
وأشار كاستيلا إلى أن خطوط الجبهة المتغيرة قرب مصراتة ومنطقة جبل نفوسة جنوب غربي طرابلس أجبرت المزيد من الأسر على الفرار من منازلهم، لافتا إلى أن خطوط جبهات القتال لن تستقر قريبا.
وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد قالت في بيان إنها تساعد المستشفيات على علاج جرحى جبهات القتال في منطقة جبل نفوسة، كما قامت بنقل إمدادات من المواد الطبية والجراحية إلى مصراتة.
بدورها أكدت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة أن النظام الخاص بتوفير الأدوية الحيوية والأمصال في ليبيا انهار، حيث تتناقص الإمدادات على الجانبين. وقال المتحدث باسم المنظمة طارق غساريفيتش للصحفيين إن منظمته تواجه الآن نقصا في إمدادات الأدوية، لكنها ستصل قريبا إلى مرحلة لن يتوافر فيها مزيد من الأدوية والأمصال.
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق