تستعد تحالفات وتجمعات ليبية عدة، لتأسيس أحزاب سياسية في الدولة التي تشهد اقتتالا على السلطة منذ نحو 5 أشهر، بين نظام القذافي، الذي يحكم البلاد منذ نحو 41 عاما، والثوار المدعومين بغطاء جوي من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في وقت قالت فيه مصادر ليبية مطلعة، إن مبعوثا من الأمم المتحدة يسعى لإقناع الثوار ونظام القذافي بخطة يتقاسم فيها الطرفان السلطة، ولا يكون للعقيد فيها دور.
تسلم القذافي ليبيا خالية من الأحزاب السياسة، وعمل على تحريم تأسيسها، واتهم من يسعى لهذا بالخيانة، ونمت خلال فترة حكمه تيارات دينية مختلفة، قاتل بعض قادتها في أفغانستان والعراق، قبل العودة إلى ليبيا طيلة العقود الثلاثة الأخيرة.
وتسود منذ أسابيع، حالة جمود على جبهة الصراع المسلح، في وقت تفيد فيه مصادر أمنية من ثورة 17 فبراير (شباط)، بأن هيكل المجلس الانتقالي الليبي وذراعه التنفيذية، ربما لن يكون قادرا على البقاء لإدارة الدولة بعد سقوط القذافي، قائلة إن إدارة البلاد ستؤول في نهاية المطاف للمقاتلين على الأرض، و«هؤلاء تتباين توجهاتهم، ويوجد بينهم إسلاميون وقوميون ويساريون، ولم ينخرط غالبيتهم في أحزاب سياسية من قبل».
ويقلل مراقبون من جدوى تأثير الأحزاب السياسية المدنية، التي بدأ الإعداد لتأسيسها، في لعب دور يذكر في مرحلة ما بعد القذافي، في مقابل إمكانية الاعتماد على تيارات دينية متنوعة ما بين الاعتدال والتشدد. وعدم اليقين بشأن شكل لإدارة البلاد قد يعرقل الخطط الدولية في حال الاتفاق على تقاسم السلطة بين الثوار وحكومة طرابلس.
ويقول محمد عيسي العاقوري، من ائتلاف ثورة 17 فبراير: «عدم رحيل القذافي هزيمة للثوار. والاتفاق على تقاسم السلطة يعني تمكينا لحكم القذافي مقابل اقتتال بين الثوار أنفسهم. هذا سيناريو لا يمكن تحمله».
في هذه الأثناء يستعد «التحالف الوطني الديمقراطي» الذي أسسه المعارض الليبي المختفي منذ نحو عقدين، منصور الكيخيا، ليكون أول حزب يظهر إلى الوجود منذ عقود. ويقول إبراهيم عميش المتحدث باسم الحزب الجاري تأسيسه: «سنعلن عن افتتاح المقر الرئيسي للحزب في المناطق الشرقية قريبا، والترتيب لعقد ملتقى وطني له تحت اسم (التحالف الوطني الديمقراطي)»، مشيرا إلى أن هذا التجمع بدأ من خارج ليبيا عام 1987 بقيادة الكيخيا، الذي تدور تكهنات حول اختطافه على أيدي القذافي من مصر وإعدامه في ليبيا.
لكن محمد فايز جبريل، ممثل «المؤتمر الوطني المعارض» في ليبيا، يقول إن الأحزاب الجديدة ستحتاج إلى وقت حتى تثبت فعاليتها وتأثيرها في المشهد السياسي، وإن التيار الذي ربما سيلتف حوله المواطنون هو التيار المدني الليبي المحافظ بطبعه، لا الأحزاب.
وتوقع سياسيون ليبيون أن تنشأ أحزاب أخرى كثيرة، لكن عقب سقوط نظام القذافي، كما حدث في تونس ومصر. إلا أن ثمة احتمالا بأن يتفوق تيار الإسلام السياسي على القوى الليبرالية واليسارية والقومية. وسواء جرى اتفاق على وقف القتال وتقاسم السلطة أولا، فإن القلق يساور أنصار الدولة المدنية، كما هو الحال في البلدان التي تغيرت أنظمتها وتراجعت فيها القبضة الأمنية التي كانت تحظر عمل الإسلام السياسي لعقود.
لكن من سوء حظ بعض الإسلاميين الليبيين، على ما يبدو، أنهم تعاملوا في السابق عن قرب من نظام القذافي ومع سيف الإسلام نجل العقيد الليبي، خاصة في السنوات الأخيرة والشهور التي سبقت تفجر ثورة السابع عشر من فبراير المناوئة لحكم القذافي وأسرته.
وتوقع جبريل أن يكون هناك أكثر من مجموعة من بين المثقفين تسعى إلى تشكيل أحزاب.. ويوضح: «سيكون لدينا مجموعة أحزاب، لكن السؤال عن مدى فعاليتها وقدرتها على صياغة الحياة السياسية وتكوين رأي عام. ستحتاج إلى وقت حتى تثبت فعالية البعض منها». ويرى جبريل أن الأمر ليس بتلك البساطة، لأن على الثوار وضع دستور للبلاد أولا، والاتفاق على أسس لشكل الدولة الجديدة ثانيا.
هل يمكن أن تسهم الأحزاب في ترسيخ مبادئ الدولة المدنية والتعددية، إذا عادت إلى ليبيا في الوقت الراهن؟ هذا الأمر مشكوك فيه بالنسبة إلى المراقبين بطبيعة الحال. وحين بدأت وساطات دول ومنظمات دولية عدة لحل الأزمة في ليبيا، لم تضع في الحسبان مسألة الأحزاب بعد. أضف إلى ذلك أن المجالس المحلية التي تكونت في المدن التي يسيطر عليها الثوار، تكونت من توجهات متباينة، ما بين آيديولوجيا سياسية وانتماءات قبلية ودينية.
ومنذ ظهور النفط، سعت دول غربية إلى توطيد علاقتها بليبيا، بما في ذلك عدم ممانعتها في توزيع مناطق للنفوذ بين إيطاليا (برقة)، وبريطانيا (طرابلس)، وفرنسا (فزان). ورغم إقامتها لعلاقات وصفقات مع نظام العقيد، فتحت الدول الغربية خطوط اتصال بالمعارضة في الخارج والداخل، في محاولة لتأمين مصالحها.
ومن هذا المنطلق، ينظر حسين محمد، العضو السابق في مؤتمر الشعب العام بليبيا، إلى الوضع من زاوية أكثر بساطة، فيقول: «أنت تتحدث عن دور للأحزاب في ليبيا. هذا صعب تحقيقه بمجرد قيامها، لأنه حتى بالنسبة إلى دول كمصر وتونس، ممن لديها تجارب حزبية، يبدو أن الحياة الحزبية، بدأت من الصفر، بعد سقوط النظامين فيهما، فما بالك بدولة لم يكن فيها أي نشاط حزبي منذ نحو ستين عاما؟!».
ويزيد حسين قائلا: «حتى لو تأسست أحزاب، ما زالت لدينا عادات ممتزجة بالدين تتحكم في الوضع.. مطلوب شخصيات قادرة على طرح أفكار قائمة على مفاهيم وثوابت وطنية»، مشيرا إلى المستقبل الحزبي في ليبيا، بقوله إن المزاج يميل للتعاطي مع المجتمع المدني أكثر من الأحزاب التي أعتقد أنها، إذا تأسست، ستكون اجتماعية خدمية، لأن التجارب الآيديولوجية في بلاد مجاورة كمصر، لم تعط حقها وحاليا كأنها تولد من جديد، وليست قدوة بعد.
ولجماعة الإخوان إرث في ليبيا، وهي على القائمة، لكن انخراطها ضمن برنامج إصلاحي تبناه سيف الإسلام نجل القذافي قبل نحو خمس سنوات، أفقدها الكثير من رصيدها الشعبي، كما يشير مراقبون. وتوجد تنظيمات أخرى كاليساريين والبعثيين.. «أما القبيلة، فمنذ ثورة 17 فبراير، لا تلعب دورا سياسيا في ليبيا. الآن نحن مجتمع به مدن محررة وأخرى ما زالت محاصرة ومقموعة نسعى لتحريرها»، وفقا لعبد المنعم.
وأي خلخلة في التوافقات الهشة بين القوى السياسية والتيارات الدينية يمكن أن تطيل أمد عدم الاستقرار في عدة بلدان كمصر وتونس وسوريا واليمن. وتقول ليزا أندرسون من الأكاديمية الأميركية للعلوم السياسية والاجتماعية، في دراسة لها بعنوان «الدين والدولة في ليبيا: سياسات الهوية»، إن الدين اضطلع بدور بارز في التاريخ السياسي الحديث في ليبيا، و«.. سلط الضوء على الغموض الذي يكتنف الهوية السياسية والذي يشيع بمختلف أرجاء العالم العربي المسلم». وتضيف: «الواضح أن التوترات القائمة بين فكرة الشرعية السياسية المستقاة من الإمبراطوريات الإسلامية والمفاهيم المستوحاة من الغرب عن القومية الإثنية والمشاعر الوطنية تجاه الدولة، خلقت معضلات أمام الحكام والمحكومين بشتى أرجاء العالم العربي منذ بداية القرن العشرين».
وكانت الأرضية التي وقف عليها ملك ليبيا إدريس السنوسي، لمدة نحو تسع سنوات بعد استقلال البلاد عام 1951، عبارة عن حركة دينية سياسية محافظة هي الحركة السنوسية، التي دعمها، في السابق، الأتراك ضد الاحتلال الأجنبي في ليبيا ومصر، كما أن الملك نفسه لم يكن عليه خلاف يذكر بين القبائل الليبية، باعتبار أن مركز قبيلته ليس في ليبيا، وكذا لتمتعه بالاستقامة المستمدة من العادات المحلية المقترنة بالدين، وهي تربة موجودة سلفا في البلاد منذ بداية القرن الماضي، حين «عايشت ليبيا مشاعر مناهضة للإمبريالية كقضية مسلمة، وليس عربية أو محلية»، كما تقول دراسة أندرسون.
ومن المعروف أن طبيعة الأحزاب لا تحدها حدود في الاختلاف والجدل، عكس الدين الذي يقدم خطابا واحدا مقدسا، وربما لهذا السبب خشي الملك إدريس على وحدة ليبيا وخطر تقسيمها إلى برقة في الشرق وطرابلس في الغرب وفزان في الجنوب، ولجأ إلى الاعتماد على الحركة الصوفية (السنوسية). وبعد ذلك تشدد القذافي في القضاء على الأحزاب تماما منذ توليه الحكم عام 1969، واختلط في خطابه الديني بالاشتراكي، مع مزيج من أفكار العقيد نفسه التي وضعها في «الكتاب الأخضر».
وحين تفجرت الأوضاع في ليبيا مطلع هذا العام، أعربت دول غربية عن القلق من مغبة تحول البلاد إلى معقل لتنظيم القاعدة. وحذر القذافي نفسه دول البحر المتوسط، من ظهور أفغانستان جديدة في حال سقوط حكمه. لكن براك بارفي، من مؤسسة «أميركا الجديدة للأبحاث»، الذي عاد من بنغازي إلى القاهرة مؤخرا، على طائرة برفقة وفد من الأمم المتحدة، يقول إن الحديث عن الإسلاميين في ليبيا لا يعني تنظيم القاعدة. لكن المستقبل هناك ما زال غامضا، ولا توجد كيانات متماسكة في عموم البلاد، بما فيها مدن الشرق التي يسيطر عليها خصوم القذافي-
عن الشرق الأوسط اللندنية
-
تسلم القذافي ليبيا خالية من الأحزاب السياسة، وعمل على تحريم تأسيسها، واتهم من يسعى لهذا بالخيانة، ونمت خلال فترة حكمه تيارات دينية مختلفة، قاتل بعض قادتها في أفغانستان والعراق، قبل العودة إلى ليبيا طيلة العقود الثلاثة الأخيرة.
وتسود منذ أسابيع، حالة جمود على جبهة الصراع المسلح، في وقت تفيد فيه مصادر أمنية من ثورة 17 فبراير (شباط)، بأن هيكل المجلس الانتقالي الليبي وذراعه التنفيذية، ربما لن يكون قادرا على البقاء لإدارة الدولة بعد سقوط القذافي، قائلة إن إدارة البلاد ستؤول في نهاية المطاف للمقاتلين على الأرض، و«هؤلاء تتباين توجهاتهم، ويوجد بينهم إسلاميون وقوميون ويساريون، ولم ينخرط غالبيتهم في أحزاب سياسية من قبل».
ويقلل مراقبون من جدوى تأثير الأحزاب السياسية المدنية، التي بدأ الإعداد لتأسيسها، في لعب دور يذكر في مرحلة ما بعد القذافي، في مقابل إمكانية الاعتماد على تيارات دينية متنوعة ما بين الاعتدال والتشدد. وعدم اليقين بشأن شكل لإدارة البلاد قد يعرقل الخطط الدولية في حال الاتفاق على تقاسم السلطة بين الثوار وحكومة طرابلس.
ويقول محمد عيسي العاقوري، من ائتلاف ثورة 17 فبراير: «عدم رحيل القذافي هزيمة للثوار. والاتفاق على تقاسم السلطة يعني تمكينا لحكم القذافي مقابل اقتتال بين الثوار أنفسهم. هذا سيناريو لا يمكن تحمله».
في هذه الأثناء يستعد «التحالف الوطني الديمقراطي» الذي أسسه المعارض الليبي المختفي منذ نحو عقدين، منصور الكيخيا، ليكون أول حزب يظهر إلى الوجود منذ عقود. ويقول إبراهيم عميش المتحدث باسم الحزب الجاري تأسيسه: «سنعلن عن افتتاح المقر الرئيسي للحزب في المناطق الشرقية قريبا، والترتيب لعقد ملتقى وطني له تحت اسم (التحالف الوطني الديمقراطي)»، مشيرا إلى أن هذا التجمع بدأ من خارج ليبيا عام 1987 بقيادة الكيخيا، الذي تدور تكهنات حول اختطافه على أيدي القذافي من مصر وإعدامه في ليبيا.
لكن محمد فايز جبريل، ممثل «المؤتمر الوطني المعارض» في ليبيا، يقول إن الأحزاب الجديدة ستحتاج إلى وقت حتى تثبت فعاليتها وتأثيرها في المشهد السياسي، وإن التيار الذي ربما سيلتف حوله المواطنون هو التيار المدني الليبي المحافظ بطبعه، لا الأحزاب.
وتوقع سياسيون ليبيون أن تنشأ أحزاب أخرى كثيرة، لكن عقب سقوط نظام القذافي، كما حدث في تونس ومصر. إلا أن ثمة احتمالا بأن يتفوق تيار الإسلام السياسي على القوى الليبرالية واليسارية والقومية. وسواء جرى اتفاق على وقف القتال وتقاسم السلطة أولا، فإن القلق يساور أنصار الدولة المدنية، كما هو الحال في البلدان التي تغيرت أنظمتها وتراجعت فيها القبضة الأمنية التي كانت تحظر عمل الإسلام السياسي لعقود.
لكن من سوء حظ بعض الإسلاميين الليبيين، على ما يبدو، أنهم تعاملوا في السابق عن قرب من نظام القذافي ومع سيف الإسلام نجل العقيد الليبي، خاصة في السنوات الأخيرة والشهور التي سبقت تفجر ثورة السابع عشر من فبراير المناوئة لحكم القذافي وأسرته.
وتوقع جبريل أن يكون هناك أكثر من مجموعة من بين المثقفين تسعى إلى تشكيل أحزاب.. ويوضح: «سيكون لدينا مجموعة أحزاب، لكن السؤال عن مدى فعاليتها وقدرتها على صياغة الحياة السياسية وتكوين رأي عام. ستحتاج إلى وقت حتى تثبت فعالية البعض منها». ويرى جبريل أن الأمر ليس بتلك البساطة، لأن على الثوار وضع دستور للبلاد أولا، والاتفاق على أسس لشكل الدولة الجديدة ثانيا.
هل يمكن أن تسهم الأحزاب في ترسيخ مبادئ الدولة المدنية والتعددية، إذا عادت إلى ليبيا في الوقت الراهن؟ هذا الأمر مشكوك فيه بالنسبة إلى المراقبين بطبيعة الحال. وحين بدأت وساطات دول ومنظمات دولية عدة لحل الأزمة في ليبيا، لم تضع في الحسبان مسألة الأحزاب بعد. أضف إلى ذلك أن المجالس المحلية التي تكونت في المدن التي يسيطر عليها الثوار، تكونت من توجهات متباينة، ما بين آيديولوجيا سياسية وانتماءات قبلية ودينية.
ومنذ ظهور النفط، سعت دول غربية إلى توطيد علاقتها بليبيا، بما في ذلك عدم ممانعتها في توزيع مناطق للنفوذ بين إيطاليا (برقة)، وبريطانيا (طرابلس)، وفرنسا (فزان). ورغم إقامتها لعلاقات وصفقات مع نظام العقيد، فتحت الدول الغربية خطوط اتصال بالمعارضة في الخارج والداخل، في محاولة لتأمين مصالحها.
ومن هذا المنطلق، ينظر حسين محمد، العضو السابق في مؤتمر الشعب العام بليبيا، إلى الوضع من زاوية أكثر بساطة، فيقول: «أنت تتحدث عن دور للأحزاب في ليبيا. هذا صعب تحقيقه بمجرد قيامها، لأنه حتى بالنسبة إلى دول كمصر وتونس، ممن لديها تجارب حزبية، يبدو أن الحياة الحزبية، بدأت من الصفر، بعد سقوط النظامين فيهما، فما بالك بدولة لم يكن فيها أي نشاط حزبي منذ نحو ستين عاما؟!».
ويزيد حسين قائلا: «حتى لو تأسست أحزاب، ما زالت لدينا عادات ممتزجة بالدين تتحكم في الوضع.. مطلوب شخصيات قادرة على طرح أفكار قائمة على مفاهيم وثوابت وطنية»، مشيرا إلى المستقبل الحزبي في ليبيا، بقوله إن المزاج يميل للتعاطي مع المجتمع المدني أكثر من الأحزاب التي أعتقد أنها، إذا تأسست، ستكون اجتماعية خدمية، لأن التجارب الآيديولوجية في بلاد مجاورة كمصر، لم تعط حقها وحاليا كأنها تولد من جديد، وليست قدوة بعد.
ولجماعة الإخوان إرث في ليبيا، وهي على القائمة، لكن انخراطها ضمن برنامج إصلاحي تبناه سيف الإسلام نجل القذافي قبل نحو خمس سنوات، أفقدها الكثير من رصيدها الشعبي، كما يشير مراقبون. وتوجد تنظيمات أخرى كاليساريين والبعثيين.. «أما القبيلة، فمنذ ثورة 17 فبراير، لا تلعب دورا سياسيا في ليبيا. الآن نحن مجتمع به مدن محررة وأخرى ما زالت محاصرة ومقموعة نسعى لتحريرها»، وفقا لعبد المنعم.
وأي خلخلة في التوافقات الهشة بين القوى السياسية والتيارات الدينية يمكن أن تطيل أمد عدم الاستقرار في عدة بلدان كمصر وتونس وسوريا واليمن. وتقول ليزا أندرسون من الأكاديمية الأميركية للعلوم السياسية والاجتماعية، في دراسة لها بعنوان «الدين والدولة في ليبيا: سياسات الهوية»، إن الدين اضطلع بدور بارز في التاريخ السياسي الحديث في ليبيا، و«.. سلط الضوء على الغموض الذي يكتنف الهوية السياسية والذي يشيع بمختلف أرجاء العالم العربي المسلم». وتضيف: «الواضح أن التوترات القائمة بين فكرة الشرعية السياسية المستقاة من الإمبراطوريات الإسلامية والمفاهيم المستوحاة من الغرب عن القومية الإثنية والمشاعر الوطنية تجاه الدولة، خلقت معضلات أمام الحكام والمحكومين بشتى أرجاء العالم العربي منذ بداية القرن العشرين».
وكانت الأرضية التي وقف عليها ملك ليبيا إدريس السنوسي، لمدة نحو تسع سنوات بعد استقلال البلاد عام 1951، عبارة عن حركة دينية سياسية محافظة هي الحركة السنوسية، التي دعمها، في السابق، الأتراك ضد الاحتلال الأجنبي في ليبيا ومصر، كما أن الملك نفسه لم يكن عليه خلاف يذكر بين القبائل الليبية، باعتبار أن مركز قبيلته ليس في ليبيا، وكذا لتمتعه بالاستقامة المستمدة من العادات المحلية المقترنة بالدين، وهي تربة موجودة سلفا في البلاد منذ بداية القرن الماضي، حين «عايشت ليبيا مشاعر مناهضة للإمبريالية كقضية مسلمة، وليس عربية أو محلية»، كما تقول دراسة أندرسون.
ومن المعروف أن طبيعة الأحزاب لا تحدها حدود في الاختلاف والجدل، عكس الدين الذي يقدم خطابا واحدا مقدسا، وربما لهذا السبب خشي الملك إدريس على وحدة ليبيا وخطر تقسيمها إلى برقة في الشرق وطرابلس في الغرب وفزان في الجنوب، ولجأ إلى الاعتماد على الحركة الصوفية (السنوسية). وبعد ذلك تشدد القذافي في القضاء على الأحزاب تماما منذ توليه الحكم عام 1969، واختلط في خطابه الديني بالاشتراكي، مع مزيج من أفكار العقيد نفسه التي وضعها في «الكتاب الأخضر».
وحين تفجرت الأوضاع في ليبيا مطلع هذا العام، أعربت دول غربية عن القلق من مغبة تحول البلاد إلى معقل لتنظيم القاعدة. وحذر القذافي نفسه دول البحر المتوسط، من ظهور أفغانستان جديدة في حال سقوط حكمه. لكن براك بارفي، من مؤسسة «أميركا الجديدة للأبحاث»، الذي عاد من بنغازي إلى القاهرة مؤخرا، على طائرة برفقة وفد من الأمم المتحدة، يقول إن الحديث عن الإسلاميين في ليبيا لا يعني تنظيم القاعدة. لكن المستقبل هناك ما زال غامضا، ولا توجد كيانات متماسكة في عموم البلاد، بما فيها مدن الشرق التي يسيطر عليها خصوم القذافي-
عن الشرق الأوسط اللندنية
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق