السبت، يوليو 02، 2011

صالح بن عبدالله السليمان: ليبيا : "معمر القذافي وغياب الوعي وتغييب الحقائق –...


الذي يستمع لخطاب معمر القذافي الأخير في 1/7/2011 م يعرف مدى غياب الوعي لدية . و انفصاله التام عن الواقع . ولا نستطيع ان نحدد سبب هذا الانفصال عن حقائق الواقع .
- هل هو بسبب اختباءه الطويل وعدم صحة المعلومات الواردة إليه من ارض المعارك الدائرة . سواء في "بيرغنم" و"غريان" غربي طرابلس أو من "زليطن" شرقي طرابلس ؟
لا نعلم, هل من يزوده بالمعلومات يخبره بان البلدات الثائرة عندما تتحرر من كابوس الكتائب الأمنية لا تعود تحت سيطرته مرة أخرى أم انه يصور له العكس ؟
- أم هو انفصام مرضي؟ فهو لا يحس ولا يعلم ما حوله؟
نعود للخطاب , ذكرت في مقالة سابقة أننا سنسمع من القذافي خطابا آخر عند اقتراب الثوار من طرابلس . وهذا ما حصل . ولكن جاء مبكرا بعض الوقت بسبب تطورات كبيرة متسارعة حصلت على الصعيدين السياسي والعسكري . وهذا التطورات تكاد تكون علامات فارقة في كفاح الشعب الليبي .
التطور الأول هو اعتراف فرنسا بأنها تقوم بتسليح ثوار الجبل الغربي .
وهذا له عدة معاني . معاني يعرفها العقيد جيدا . وأهم هذه المعاني هو أن فرنسا جادة تمام الجد في الوقوف أمام مخططة في تقسيم ليبيا إلى شرق وغرب .
ففي أحلك أوقات الثوار في الجبل . قامت فرنسا بإسقاط السلاح للثوار المحاصرين مما مكنهم من دحر الكتائب الأمنية . وهذا التزام فرنسي كبير بان تتدخل في الحرب على الأرض بسلاحها وبسواعد الثوار . ولم يعد التدخل جويا فقط . حيث أن الكتائب تعاملت مع الضربات الجوية واستطاعت أن تفرض قواعد لعبتها على الأرض ’ بانتهاج أسلوب الضرب المتحرك أو "أضرب وأهرب". وكذلك بالتخفي في المناطق المدنية . واستغلال المستشفيات والمدارس كمخازن للذخيرة . وهذا ما أكدته منظمة حقوق الإنسان (هيومن ووتش) في آخر تقرير لها الصادر في 29/6/2011 حول استغلال الكتائب للمستشفيات كمخازن للذخيرة .
ولكن بقيام فرنسا بتسليح الثوار ألغت الفارق الكبير في الإمكانات الأرضية في السلاح بين تسليح الثوار وتسليح الكتائب . مما يلغي الميزة الكبيرة التي كانت الكتائب تتمتع بها , وهذا يعطي للثوار اليد الأعلى في الحرب بحصولهم على سلاح حديث وفي نفس الوقت يحصلون على غطاء جوي فعال.
التطور الآخر الذي حصل ولم يكن متوقعا هو استيلاء الثوار على مخازن قاعدة "القاعة" في الجبل الغربي . حيث أوردت بعض التقارير أن الثوار حصلوا على ما يقارب من 100 ألف صاروخ جراد وكميات ضخمة من الأسلحة والذخائر الأخرى . فالذي كان يتوقعه القذافي ويفضله هو, أن يدمر الناتو هذه المخازن ولا تقع بأيدي الثوار .
هذان التطوران جعلا الخطاب يتقدم عن موعدة , والذي كنا نحسبه سيكون بعد محاصرة الثوار لطرابلس وتحرير الزاوية .
وأمام هذه النكسات المتتالية نجد أن إستراتيجية القذافي تغيرت عن السابق فهو لا يستطيع التراجع ولا يمكنه تحقيق انتصار على الأرض . فلجأ إلى استراتيجيه جديدة .
هذه الإستراتيجية , هو بارع بها , وتعتمد على الأعلام . ففشله على المستوى السياسي والعسكري يجعله يعتمد على تضخيم بعض الأحداث إعلاميا . وحشد كافة العوامل لإنجاحه على المستوى الإعلامي .
وبدا في انتهاج هذه السياسة منذ خطابه السابق على هذا الخطاب . فلقد تم حشد أعداد كبيرة من البشر ووضعهم ونقلهم من أماكن عدة وتركيز الصورة عليهم . ولهذا تجده يكرر في خطابه هذا كلمات مثل " شاهدوا التلفزيون الليبي " أو "ها هو الشعب الليبي" أكثر من مرة ليؤكد على حجم الحشود التي بذل جهد كبير في جمعها.
لقد كنت اعلم انه سيلقي خطاب اليوم قبل أن يلقيه بأكثر من 10 ساعات , حيث أوردت مصادر من الداخل الليبي انه يتم جمع الشباب والرجال والنساء والأطفال سواء ليبيين أو أجانب من طرابلس وضواحيها وإرسالهم إلى نقطة التجمع .
كما انه أعطى الحدث أبعاد إنسانية أكثر . وذلك بحدثين ركز عليهما في خطابه .( ويجب على الثوار الانتباه للأبعاد الإنسانية في الخطاب الإعلامي ), ومن المؤكد أن حبكة الخطاب وما صاحبه من أحداث وصور , قد صنع بأيدي خبيرة وتتقن فن صناعة الإعلام والتأثير على الآخرين .
الحدث الأول :- ظهور العلم الأخضر بطول يقول انه يسجل رقما قياسيا . وهذا ليكون مادة إعلامية خصبة للخوض فيها . ولا تنسى انه ذكر أن العلم قد صنعته "النساء" ولنركز هنا على كلمة النساء ببيع ذهبهن . وتبرع التجار بقيمة القماش ( وهنا وقع في تناقض صارخ) كيف تشتري النساء القماش ببيع ذهبهن وفي نفس الوقت يتبرع التجار بالقماش . ولكن يمكن القول أن كلمة التبرع لم تكن من وضع خبراء الإعلام بل إضافة من عنده أثناء تسجيل الخطاب .
الحدث الثاني :- هو ظهور المرأة التي كتبت بالحناء على يديها " معمر وبس " وتركيز "الكاميرا " عليها لم يأت عفوا . بل حركة مقصودة . وهذا لكي يظهر مدى حب المرأة الليبية لمعمر وبذلك يعادل تأثير الضربة التي تعرض لها بقضية إيمان العبيدي وغيرها من حالات الاغتصاب , والمرأة في الوجدان الإنساني تعني قلب المجتمع وجوهرة وخروجها وتأييدها له يعطيه بعدا إنسانيا كبيرا ,. ولا ننسى أن تلك المرأة استخدمت الحناء في الكتابة ’ وهذا الأمر يشابه عملية الوشم التي يقوم بها الشخص الغربي عند رغبته في تخليد ذكرى حبيب أو حبيبية أو حادثة هامة في حياته . مما يؤكد أن المخطط لهذه المسرحية ليس شخصا أو عقلا عربيا .
ملاحظة أخرى مهمة جدا على الخطاب ظهرت هذه المرة جلية بقولة "أنتم المجد" ومن يتذكر خطاب زنقة زنقة , عندما كان يقول انه هو المجد . هذا بداية اعتراف بالشعب الليبي . فلقد كان في خطاباته السابقة يحرض المدن على بعضها البعض والقبائل ضد بعضها البعض . بينما هو محتفظ بالمجد لنفسه . هذه المرة تنازل عن المجد للشعب الليبي . وهو يعتبر انه بتنازله عن لقب المجد سيكون قد تنازل عن شيء كبير. ويطالب الشعب الليبي مقابل هذا التنازل عن المجد أن يزحف "بالملايين" لاسترجاع الجبل الغربي ومصراته إلى بيت الطاعة .
وأخطر ما في الخطاب هو تصريحه بانفصال بنغازي , ومحاولته تقسيم ليبيا . حيث انه قال وبكل صراحة بترك بنغازي . فهو يطالب بالهجوم على الجبل الغربي بداية . ثم إلى مصراتة بعد ذلك . وهذا إقرار منه بعدم قدرته على أن يحارب على الجبهتين . لذا يجب أن تقسم معركته إلى مرحلتين الأولى الجبل الغربي وبعد ذلك مصراتة .

كما اختفي خطاب التقرب إلى المدن المحررة مثل بنغازي حبيبتي وغيرها من تغزل في خطاباته السابقة بأجدابيا ومصراته وغيرها . بل أصبحت تلك المدن مرتعا للخونة والمرتزقة .

بالطبع هنالك عدة نقاط ذكرها حول الديمقراطية و"الديموكراسي" وحكم الشعب ومؤتمر القبائل واللجان الشعبية . ويعدد محاسنها . وهذا موجه للغرب وليس للداخل .
مجمل هذا الخطاب اذا نزعنا عنه الحواشي فهو موجه للغرب , لأنه يعتقد أن حل مشكلته مع شعبه هو مع الغرب . وأن الثوار ما هم إلا خونه ومرتزقة زج بهم الغرب لكي يزيلوه عن سلطانه . وليس فيه أي نقطة موجهة للداخل الليبي . سوى عملية التحريض التي دأبنا على سماعها في جميع خطاباته .
المشكلة الكبرى لدى القذافي ومن حوله أنهم يلغون المجتمع الليبي الثائر ضدهم , ويعدونهم مجموعة من الخونة والمرتزقة , ويعتبرون إن مشكلتهم هي مع الناتو والناتو فقط . وهذا خطأ كبير . فنرى سيف الإسلام يقول ويكرر في العديد من المقابلات :- "إذا كان الغرب يريد كذا" والقذافي الأب يريد أن يتفاوض مع الغرب . بينما جوهر مشكلته هي مع الليبيين . فلو طلب المجلس الانتقالي وقف الهجمات لوقفت خلال ساعات . ولكنه يصر على أن يلغي الليبيين من حساباته .
وهذا خطأ فاحش يقع فيه جميع الطغاة في عالمنا العربي . فهم كانوا وما زالوا يلغون شعوبهم من حساباتهم . بينهما الشعب هو الحصانة الحقيقية للحاكم ، وليس القوى الخارجية .
هنا أعود للتذكير . يجب على الثوار الاعتناء بالجانب الإنساني في الحدث . وان لا ينجرفوا في منطق القوة ولا في منطق الاستضعاف أو الضعف وان توظف كوادر متخصصة في هذا الجانب . ولي عودة لهذا الموضوع إن شاء الله.

صالح بن عبدالله السليمان
كاتب مسلم عربي سعودي
http://salehalsulaiman.blogspot.com/
-
-

هناك تعليق واحد:

  1. بسم الله الرحمن الرحيم
    تفوقت في جهودك مفردا على جهودنا زرافات، تربت يداك، وجزاك الله عنا خيرا.
    ولأن إعادة اختراع العجلة في هذا الزمان ضرب من الحماقات القذافية، استعنا بمقالاتك كمادة في مدونة وصحيفة باسم الشيخ الشهيد محمد المدني لأنها عبرت أبلغ تعبير من العناوين التي أردنا الحديث عنها.
    يشرفنا أن تحظى المدونة والصحيفة عندك بالقبول.
    نسأل الله العظيم أن يحرر ثرانا وثرى كل بلد مسلم، كي نجتمع بك في ليبيا الحرة أخا عزيزا كريما بإذنه عز وجل.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    http://mmmadani.blogspot.com/

    ردحذف