مشهد لم تألفه الساحة العربية، حتى أثناء الغزو السوفياتي لافغانستان؛ حشود غاضبة تحرق العلم الروسي، ومعه أعلام الصين والهند وفنزويلا، دول تعارض صدور قرار في مجلس الأمن الدولي يدين السلطات السورية وقبلها اليمنية .
مشهد لم تألفه الساحة العربية، حتى أثناء الغزو السوفياتي لافغانستان؛ حشود غاضبة تحرق العلم الروسي، ومعه أعلام الصين والهند وفنزويلا، دول تعارض صدور قرار في مجلس الأمن الدولي يدين السلطات السورية وقبلها اليمنية .
يمكن النظر إلى الحادث على أنه مشهد عابر في سياق الوقائع الدرامية الضاجة في العالم العربي من شمال أفريقيا إلى الخليج العربي. إلا أن الجماهير العربية بوجه عام ، وحتى وقت أشاحت موسكو بوجهها تماما، عن "القضايا المصيرية للأمة العربية " حقبة يلتسين، كانت تتطلع بأمل ورجاء إلى الصديق الروسي الذي لم يبخل بشتى المساعدات لحركة التحرر الوطني العربية.
ولم يقتصر الدعم الأممي على "الرفاق الشيوعيين" الذين كانت قياداتهم ترتع في منتجعات الاتحاد السوفياتي فيما تكتظ سجون "الأنظمة الثورية" و"أنظمة التطور اللارأسمالي " حلفاء موسكو السوفياتية الدكتاتوريين ، باعضاء قواعد الأحزاب الشيوعية العربية ، والليبراليين والديمقراطيين ونشطاء حقوق الإنسان .
ماذا جرى، إذا، حتى تنقلب الصورة، ويحرق علم روسيا بدلا من أعلام الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا التي ترفرف في بنغازي، وبالغ بعضهم هناك في جعلها قميصا يتباهى بألوانها.
في الولايات المتحدة ، يقاضي القانون كل من هب في العالم إذا أحرق العلم الأميركي ويخضع لملاحقة القضاء الأميركي مدى العمر. ولا نظير لمثل هذا القانون في روسيا البلد الذي دخل منذ ما يزيد على عقدين في شراكة مع الغرب ، ولم يستخدم حق النقض " الفيتو " في مجلس الأمن الدولي، إلا مرة أو مرتين خلال عقدين ونيف، ويسعى لإزالة آثار الحرب الباردة ، ويدعو إلى التكامل المتكافئ مع الولايات المتحدة ولا يسعى إلى الهيمنة.
من جماهيرية معمر إلى جمهورية علي
حين امتنعت موسكو عن التصويت على قرار فرض الحظر الجوي على ليبيا، فإن الثنائي الحاكم في روسيا، دميتري ميدفيديف، وفلاديمير بوتين، اختلفا في توصيف حملة الناتو على جماهيرية العقيد القذافي، إلا إن الرئيس دميتري ميدفيديف أعلن بوضوح أن النظام " فقد شرعيته لأنه قتل شعبه" .
المجلس الانتقالي في بنغازي، يتعامل مع الشجب الروسي لتجاوز صلاحيات قراري مجلس الأمن الدولي بشأن ليبيا على أنه دعم لنظام العقيد القذافي. وربما يكون المبعوث الرئاسي الروسي ميخائيل مارغيلوف، استطاع تغيير الموقف. إلا أن بعض ممثلي بنغازي لا يفوتون الفرصة لتوجيه النقد لروسيا بزعم أنها تزود القذافي إلى الآن بصواريخ "غراد" والتي يلفظها الليبيون "جراد" على وزن الحشرة الافة التي تأكل الأخضر واليابس .
في اليمن، ينتقد شباب ساحة التغيير المطالبين برحيل علي عبد الله صالح الجريح في مشفى بالسعودية، دور موسكو في إحباط مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يدين الرئيس اليمني. ولا يلتفت منتقدو روسيا إلى حقيقة أن واشنطن والعواصم الغربية تعتبر صالح حليفا في الحرب على الإرهاب، وأن كل التصريحات ومحاولة إصدار قرار أممي، تندرج في خانة ما يمكن وصفه "رفع العتب ". وليس مبالغة القول بأن الاعتراض الروسي، نزل بردا وسلاما علي قلب واشنطن وحليفاتها.
وحتى أنت يا شام
في الملف السوري، يبدو الموقف الروسي، أكثر التباسا، من دراما ليبيا واليمن اللتين ربما تعيشان الفصول الأخيرة من عملية التغيير، رغم ضبابية الآفاق. أما في سوريا، فإن فصل الختام لا يلوح في المدى المنظور.
المعارضة السورية، لم تصل إلى درجة حشد تظاهرات مليونية إلى الآن، وأجهزة النظام لا توفر وسيلة في ملاحقة الحركات الاحتجاجية على وقع شعارات "الفتنة " و"التآمر الخارجي " و"المدسوسين " و"القناصة" مجهولي الهوية.
ويفاقم ضبابية المشهد منع السلطات السورية، وسائل الإعلام العالمية من الوصول إلى مواقع الأحداث. ولجوء دمشق إلى انتقائية غرضية، باستضافة وسائل الإعلام" الصديقة" التي مهما بلغت درجة صدقيتها، فإنها لن تقنع المتلقي الغارق في تيار المعلومات المتدفقة على الشبكة العنكبوتية، ويشاهد كل يوم صورا دموية، ليس آخرها نداء "أم عمر الشامي" السيدة الروسية المقيمة في حمص، تناشد بعربية مكلومة وبروسية تمور بالأسى، الرئيس دميتري ميدفيديف، النظر إلى مأساة مقتل ولدها البكر عمر على يد "كلاب النظام"، حسب تعبير السيدة الثكلى. شريط طاف على المواقع الروسية، وانتشر بسرعة على المواقع العربية وبلغات أخرى.
ويمثل منع وسائل الإعلام في بلد يخدم المئات من أبنائه في وسائل إعلام عربية وأجنبية بحرفية عالية، ويعجز إعلامه المحلي عن إقناع المواطن، بله المتلقي الأجنبي، أحد أكثر جوانب الأزمة السورية ، تعقيدا. وحتى حين سمحت السلطات لبعض الوكالات بدخول مناطق معينة، حددت حركة الصحفيين مثلما عليه الحال في ليبيا التي خصصت أجهزتها الأمنية لكل مراسل "سرية" مرافقين غاية في الود والطرافة !!.
ومنذ بدء حركة الاحتجاجات، عبرت روسيا عن الأمل في أن يقوم الرئيس السوري بشار الأسد بخطوات إصلاحية، تعيد الاستقرار إلى بلد، يجمع الأوروبيون والأمريكان والروس على أن زعزعة الاستقرار في ربوعه، ينذر بتطورات خطيرة في المنطقة، تمس مباشرة أمن إسرائيل التي لا يخفي الجميع حرصهم على سلامتها من رياح موسم الربيع العربي المرشحة لأن تتحول إلى تسونامي.
معادلة الواضح أن دمشق تدركها بعمق، الأمر الذي يفسر تصريحات رجل الأعمال السوري رامي مخلوف للصحافة الأميركية بأن نظام الرئيس الأسد ضمانة لأمن إسرائيل. تصريحات لم تلق تفسيرا أو ردا مباشرا من دمشق الرسمية.
في نفس السياق، يتحدث رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، باسم " رباعية " الشرق الأوسط، مشيرا إلى "حساسية " الوضع في سوريا لناحية أمن المنطقة. ويدعو إلى التروي في التعامل مع الملف السوري. ومنح النظام فرصة أكبر.
الانتقادات الغربية للتصدي الروسي في مجلس الأمن الدولي لقرار يدين النظام في سوريا، تتراوح بين التعبير عن الأسف، والتدليس. وثمة انطباع لدى المراقبين في أروقة الأمم المتحدة بأن التعديلات التي أدخلت على مسودة مشروع القرار الفرنسي - البريطاني، كانت بإرادة أميركية، أكثر منها استجابة لمطالب روسية. ومن غير المستبعد أن تمتنع روسيا عن التصويت على قرار نزعت من مسودته كل إشارة تعيد إلى الأذهان ما آل إليه الوضع في ليبيا، حين استند حلف الناتو على قرار حظر الطيران ليشن حملة جوية وبحرية وعمليات قتالية بطائرات أباتشي توطئة لعملية برية خاطفة ربما لتصفية العقيد القذافي ومساعدة المعارضة لدخول طرابلس .
قرار الفرصة الأخيرة
من المتوقع أن تحدد الأيام وربما الساعات القريبة القادمة، مصير القرار الأممي بشأن سوريا. ومهما فعل مندوب روسيا في الأمم المتحدة، فإنه لن يستطيع أن ينتزع كل إشارة تحمل الحكومة السورية مسؤولية الانتهاكات والقتل. لكن المؤكد أن القرار لن يستخدم ذريعة للتدخل العسكري. فليس في حسابات الناتو التورط مع بلد كل رأسماله وثروته، شعب كادح، بعقول نيرة، وتقاليد عريقة، لم تنهزم رغم العقود العجاف. وطن لا يسبح على نفط ولا ينفث غازا يسيل لعاب الغرب وزعيمته واشنطن. وطن يحنو على أصل الحضارة العالمية .
لن يتدخل الناتو عسكريا في سوريا، من حسابات الربح والخسارة، أما الولايات المتحدة فإنها تعالج هزيمتها في أفغانستان، وتخطط لوجود دائم في العراق، وتسعى لاحتواء تداعيات الثورات العربية. وتقييد اقتصاديات البلدان المنتفضة على حكام أدمنوا على خدمة واشنطن فباعتهم " بشربة ماء " على رأي المثل الشعبي، بعجلة القروض. وفرض اشتراطات لا فكاك منها وفقا للحسابات البراغماتية الأميركية المعتادة .
المفارقة، أن بعض قراء المشهد العالمي في السوح العربية، يحرقون العلم الروسي، ويسرون لرؤية العلم الأميركي خفاقا فوق رؤوسهم وكأن الثور الأميركي أرحم من الدب الروسي. مفارقة يتعين على صناع القرار في الكرملين، قبل البيت الأبيض، تفحص ثناياها والتدقيق في تداعياتها على مصالح روسيا في العالم العربي ؛ اللقمة العزيزة على قلب واشنطن بغض النظر عن اتجاهات الرياح، شرقية لاهبة كانت أم غربية مثلجة.
مقال منشور في احد الصحف الروسية
-
-
مشهد لم تألفه الساحة العربية، حتى أثناء الغزو السوفياتي لافغانستان؛ حشود غاضبة تحرق العلم الروسي، ومعه أعلام الصين والهند وفنزويلا، دول تعارض صدور قرار في مجلس الأمن الدولي يدين السلطات السورية وقبلها اليمنية .
يمكن النظر إلى الحادث على أنه مشهد عابر في سياق الوقائع الدرامية الضاجة في العالم العربي من شمال أفريقيا إلى الخليج العربي. إلا أن الجماهير العربية بوجه عام ، وحتى وقت أشاحت موسكو بوجهها تماما، عن "القضايا المصيرية للأمة العربية " حقبة يلتسين، كانت تتطلع بأمل ورجاء إلى الصديق الروسي الذي لم يبخل بشتى المساعدات لحركة التحرر الوطني العربية.
ولم يقتصر الدعم الأممي على "الرفاق الشيوعيين" الذين كانت قياداتهم ترتع في منتجعات الاتحاد السوفياتي فيما تكتظ سجون "الأنظمة الثورية" و"أنظمة التطور اللارأسمالي " حلفاء موسكو السوفياتية الدكتاتوريين ، باعضاء قواعد الأحزاب الشيوعية العربية ، والليبراليين والديمقراطيين ونشطاء حقوق الإنسان .
ماذا جرى، إذا، حتى تنقلب الصورة، ويحرق علم روسيا بدلا من أعلام الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا التي ترفرف في بنغازي، وبالغ بعضهم هناك في جعلها قميصا يتباهى بألوانها.
في الولايات المتحدة ، يقاضي القانون كل من هب في العالم إذا أحرق العلم الأميركي ويخضع لملاحقة القضاء الأميركي مدى العمر. ولا نظير لمثل هذا القانون في روسيا البلد الذي دخل منذ ما يزيد على عقدين في شراكة مع الغرب ، ولم يستخدم حق النقض " الفيتو " في مجلس الأمن الدولي، إلا مرة أو مرتين خلال عقدين ونيف، ويسعى لإزالة آثار الحرب الباردة ، ويدعو إلى التكامل المتكافئ مع الولايات المتحدة ولا يسعى إلى الهيمنة.
من جماهيرية معمر إلى جمهورية علي
حين امتنعت موسكو عن التصويت على قرار فرض الحظر الجوي على ليبيا، فإن الثنائي الحاكم في روسيا، دميتري ميدفيديف، وفلاديمير بوتين، اختلفا في توصيف حملة الناتو على جماهيرية العقيد القذافي، إلا إن الرئيس دميتري ميدفيديف أعلن بوضوح أن النظام " فقد شرعيته لأنه قتل شعبه" .
المجلس الانتقالي في بنغازي، يتعامل مع الشجب الروسي لتجاوز صلاحيات قراري مجلس الأمن الدولي بشأن ليبيا على أنه دعم لنظام العقيد القذافي. وربما يكون المبعوث الرئاسي الروسي ميخائيل مارغيلوف، استطاع تغيير الموقف. إلا أن بعض ممثلي بنغازي لا يفوتون الفرصة لتوجيه النقد لروسيا بزعم أنها تزود القذافي إلى الآن بصواريخ "غراد" والتي يلفظها الليبيون "جراد" على وزن الحشرة الافة التي تأكل الأخضر واليابس .
في اليمن، ينتقد شباب ساحة التغيير المطالبين برحيل علي عبد الله صالح الجريح في مشفى بالسعودية، دور موسكو في إحباط مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يدين الرئيس اليمني. ولا يلتفت منتقدو روسيا إلى حقيقة أن واشنطن والعواصم الغربية تعتبر صالح حليفا في الحرب على الإرهاب، وأن كل التصريحات ومحاولة إصدار قرار أممي، تندرج في خانة ما يمكن وصفه "رفع العتب ". وليس مبالغة القول بأن الاعتراض الروسي، نزل بردا وسلاما علي قلب واشنطن وحليفاتها.
وحتى أنت يا شام
في الملف السوري، يبدو الموقف الروسي، أكثر التباسا، من دراما ليبيا واليمن اللتين ربما تعيشان الفصول الأخيرة من عملية التغيير، رغم ضبابية الآفاق. أما في سوريا، فإن فصل الختام لا يلوح في المدى المنظور.
المعارضة السورية، لم تصل إلى درجة حشد تظاهرات مليونية إلى الآن، وأجهزة النظام لا توفر وسيلة في ملاحقة الحركات الاحتجاجية على وقع شعارات "الفتنة " و"التآمر الخارجي " و"المدسوسين " و"القناصة" مجهولي الهوية.
ويفاقم ضبابية المشهد منع السلطات السورية، وسائل الإعلام العالمية من الوصول إلى مواقع الأحداث. ولجوء دمشق إلى انتقائية غرضية، باستضافة وسائل الإعلام" الصديقة" التي مهما بلغت درجة صدقيتها، فإنها لن تقنع المتلقي الغارق في تيار المعلومات المتدفقة على الشبكة العنكبوتية، ويشاهد كل يوم صورا دموية، ليس آخرها نداء "أم عمر الشامي" السيدة الروسية المقيمة في حمص، تناشد بعربية مكلومة وبروسية تمور بالأسى، الرئيس دميتري ميدفيديف، النظر إلى مأساة مقتل ولدها البكر عمر على يد "كلاب النظام"، حسب تعبير السيدة الثكلى. شريط طاف على المواقع الروسية، وانتشر بسرعة على المواقع العربية وبلغات أخرى.
ويمثل منع وسائل الإعلام في بلد يخدم المئات من أبنائه في وسائل إعلام عربية وأجنبية بحرفية عالية، ويعجز إعلامه المحلي عن إقناع المواطن، بله المتلقي الأجنبي، أحد أكثر جوانب الأزمة السورية ، تعقيدا. وحتى حين سمحت السلطات لبعض الوكالات بدخول مناطق معينة، حددت حركة الصحفيين مثلما عليه الحال في ليبيا التي خصصت أجهزتها الأمنية لكل مراسل "سرية" مرافقين غاية في الود والطرافة !!.
ومنذ بدء حركة الاحتجاجات، عبرت روسيا عن الأمل في أن يقوم الرئيس السوري بشار الأسد بخطوات إصلاحية، تعيد الاستقرار إلى بلد، يجمع الأوروبيون والأمريكان والروس على أن زعزعة الاستقرار في ربوعه، ينذر بتطورات خطيرة في المنطقة، تمس مباشرة أمن إسرائيل التي لا يخفي الجميع حرصهم على سلامتها من رياح موسم الربيع العربي المرشحة لأن تتحول إلى تسونامي.
معادلة الواضح أن دمشق تدركها بعمق، الأمر الذي يفسر تصريحات رجل الأعمال السوري رامي مخلوف للصحافة الأميركية بأن نظام الرئيس الأسد ضمانة لأمن إسرائيل. تصريحات لم تلق تفسيرا أو ردا مباشرا من دمشق الرسمية.
في نفس السياق، يتحدث رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، باسم " رباعية " الشرق الأوسط، مشيرا إلى "حساسية " الوضع في سوريا لناحية أمن المنطقة. ويدعو إلى التروي في التعامل مع الملف السوري. ومنح النظام فرصة أكبر.
الانتقادات الغربية للتصدي الروسي في مجلس الأمن الدولي لقرار يدين النظام في سوريا، تتراوح بين التعبير عن الأسف، والتدليس. وثمة انطباع لدى المراقبين في أروقة الأمم المتحدة بأن التعديلات التي أدخلت على مسودة مشروع القرار الفرنسي - البريطاني، كانت بإرادة أميركية، أكثر منها استجابة لمطالب روسية. ومن غير المستبعد أن تمتنع روسيا عن التصويت على قرار نزعت من مسودته كل إشارة تعيد إلى الأذهان ما آل إليه الوضع في ليبيا، حين استند حلف الناتو على قرار حظر الطيران ليشن حملة جوية وبحرية وعمليات قتالية بطائرات أباتشي توطئة لعملية برية خاطفة ربما لتصفية العقيد القذافي ومساعدة المعارضة لدخول طرابلس .
قرار الفرصة الأخيرة
من المتوقع أن تحدد الأيام وربما الساعات القريبة القادمة، مصير القرار الأممي بشأن سوريا. ومهما فعل مندوب روسيا في الأمم المتحدة، فإنه لن يستطيع أن ينتزع كل إشارة تحمل الحكومة السورية مسؤولية الانتهاكات والقتل. لكن المؤكد أن القرار لن يستخدم ذريعة للتدخل العسكري. فليس في حسابات الناتو التورط مع بلد كل رأسماله وثروته، شعب كادح، بعقول نيرة، وتقاليد عريقة، لم تنهزم رغم العقود العجاف. وطن لا يسبح على نفط ولا ينفث غازا يسيل لعاب الغرب وزعيمته واشنطن. وطن يحنو على أصل الحضارة العالمية .
لن يتدخل الناتو عسكريا في سوريا، من حسابات الربح والخسارة، أما الولايات المتحدة فإنها تعالج هزيمتها في أفغانستان، وتخطط لوجود دائم في العراق، وتسعى لاحتواء تداعيات الثورات العربية. وتقييد اقتصاديات البلدان المنتفضة على حكام أدمنوا على خدمة واشنطن فباعتهم " بشربة ماء " على رأي المثل الشعبي، بعجلة القروض. وفرض اشتراطات لا فكاك منها وفقا للحسابات البراغماتية الأميركية المعتادة .
المفارقة، أن بعض قراء المشهد العالمي في السوح العربية، يحرقون العلم الروسي، ويسرون لرؤية العلم الأميركي خفاقا فوق رؤوسهم وكأن الثور الأميركي أرحم من الدب الروسي. مفارقة يتعين على صناع القرار في الكرملين، قبل البيت الأبيض، تفحص ثناياها والتدقيق في تداعياتها على مصالح روسيا في العالم العربي ؛ اللقمة العزيزة على قلب واشنطن بغض النظر عن اتجاهات الرياح، شرقية لاهبة كانت أم غربية مثلجة.
مقال منشور في احد الصحف الروسية
-
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق