دفنية (ليبيا) (رويترز) - حين اندلع القتال في ليبيا كان الكثير من الشبان الموجودين حاليا على الجبهة في مصراتة مولعين بألعاب الكمبيوتر والهواتف المحمولة حتى أن اهالي المدينة الأكبر سنا لم يخطر ببالهم قط أن يتحول هؤلاء الى مقاتلين.
يقول محمود السقطري وهو رجل أعمال كَوَن اللواء الاول من فوج المرسى أحد ألوية المعارضة المسلحة التي تقاتل لانهاء حكم معمر القذافي الممتد منذ 41 عاما "قبل الانتفاضة كان كل ما يهم هؤلاء الشبان هو مستحضرات تصفيف الشعر والملابس والموسيقى والهواتف المحمولة والجلوس في المقاهي ... لكنهم الان يقاتلون ولديهم الارادة للموت من أجل قضية."
ووسط احتجاجات الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة أوائل العام الحالي طالب ابناء مصراتة ومناطق أخرى في ليبيا بالمزيد من الحرية فأرسل القذافي جنوده لاخماد الاحتجاجات.
وبعد أن فتح هؤلاء الجنود النار على المتظاهرين انتفض ابناء مصراتة ليردوا في البداية بقنابل البنزين وبنادق الصيد.
ومنذ ذلك الحين انتزع مقاتلو مصراتة السيطرة على ثالث اكبر مدينة في ليبيا من كتائب القذافي. وبعد ارتكاب أخطاء كلفتهم الكثير من الارواح شكل هؤلاء المقاتلين جبهة قوية بطول 36 كيلومترا الى الغرب من مصراتة.
وواجه المقاتلون في الاونة الاخيرة جنودا أفضل تدريبا وتقدموا ببطء تحت قصف مستمر للحفاظ على ذخائرهم حتى لا تنفذ والسيطرة على الاراضي وتقليل الخسائر البشرية.
ويقف الشبان على بعد نحو عشرة كيلومترات شرقي زليتن اكبر مدينة بين الدفنية وطرابلس مما يشهد على شجاعتهم.
وقال السقطري قبل زيارة مقاتلي فوج المرسى على الجبهة "انهم يعاملونني باحترام شديد ... لكن حين أراهم أشعر أنني لا أستحق كل هذا الاحترام. قبل بضعة أشهر كانوا مدنيين لكنهم الان مستعدون للموت من أجل حريتهم."
ويمثل صلاح (20 عاما) نموذجا للكثير من الشبان على الجبهة هنا. وكان طالبا في كلية الطب حين بدأت الانتفاضة. كانت يعيش حياة رغدة ويقضي الكثير من الوقت في لعب مباريات كرة القدم على البلاي ستيشن.
ويقول عن نتائجه في لعبة البلاي ستيشن "خمسون في المئة الى خمسين في المئة."
وأضاف وهو يجلس وسط مجموعة من الشبان انه من عشاق فريق برشلونة الاسباني لكرة القدم. ويهز شاب اخر رأسه ويقول انه يحب ريال مدريد في حين يطرق ثالث برأسه لينظر الى شعار فريق مانشستر يونايتد المنقوش على حذائه دون أن يقول شيئا.
ويعتزم صلاح العودة الى الجامعة بعد الحرب لانه يريد أن يتخصص في أمراض القلب.
وقال "يجب أولا أن نهزم القذافي... لا يمكن أن نكون أحرارا في ظل حكمه."
والهواتف المحمولة منتشرة على الجبهة على الرغم من توقف استقبال الاشارة منذ بدء الانتفاضة.
ويستخدمها مقاتلو المعارضة لالتقاط الصور لبعضهم البعض وتسجيلات الفيديو للمعركة. ويوزع بعضهم عناوين البريد الالكتروني على الرغم من أن الانترنت غير متوفرة الا في مناطق قليلة من مصراتة.
وظهر في فوج المرسى مصور فيديو هاو. ويحمل يزيد (23 عاما) وهو طالب متخصص في علم الاحياء المجهري كاميرا فيديو على الجبهة.
وأصيب يزيد مرتين برصاصة في فخذه الايمن وبشظية في ركبته اليسرى مما يجعل المشي بالنسبة له مؤلما والركض مستحيلا.
وقال وهو يحمل الكاميرا مبتسما "هذه هي بندقيتي."
وقطع الشبان تحت سن العشرين او فوقها بقليل شوطا كبيرا خلال بضعة اشهر وهم يرتدون سراويل الجينز والقمصان القطنية وما يتاح لهم من أحذية. ويمزحون حين تطلق قوات القذافي صواريخ جراد عليهم من على مسافة قريبة لانها لا تكون فعالة الا اذا أطلقت من على بعد.
لكن على غرار الجنود في أي مكان فان ما يمقتونه هو الهجمات بقذائف المورتر لانها تضرب على مسافة أقرب من الجبهة وتحدث المزيد من الخسائر البشرية.
وقال احمد (21 عاما) وهو طالب هندسة يتقاسم خندقا مع صديقين "صواريخ جراد ليست فيها مشكلة لكنني لا أحب قذائف المورتر."
وأضاف "الشظايا المتطايرة من قذائف المورتر تحدث اصابات كثيرة."
وحين يسمع صوت دوي قذيفة مورتر يكبر الرجال على الجبهة قبل أن تسقط.
وعلى الرغم من المخاوف بشأن المورتر فان جميع الرجال على الجبهة يوجهون تركيزهم لقضيتهم فيما يبدو.
وحين سُئل شاب اسمه علي (21 عاما) عن أفكاره للمستقبل بعد الصراع هز رأسه وقال "لا يهمني هذا الان. كل ما أريده هو قتل القذافي."
ومنذ تحدث علي الى رويترز أصيب بشظية في ساقه لكنه عاد الى الجبهة.
وأصبحت الاصابات بالنسبة لمقاتلي المعارضة "أوسمة شرف" حتى ان الشبان في الوحدة التي يقودها طارق ماضي المصرفي السابق يحرصون على التباهي باصاباتهم.
وقال ماضي الذي كان مسؤولا عن صناديق الودائع الامنة في فرع بنك (بي.ان.بي) باريبا بمصراتة قبل تفجر الصراع "معظم الرجال هنا أصيبوا اكثر من مرة." وتتراوح اعمار معظمهم بين 17 و20 عاما.
لكن الاصابة شيء ومشاهدة الاصدقاء يموتون شيء اخر تماما.
ويتكرر مشهد مجموعات من الشبان يبكون خارج مستشفى الحكمة بمصراتة بعد مقتل احد زملائهم.
وفي المستشفى الميداني الاقرب الى الجبهة كان شاب مصاب بجروح طفيفة ينتحب بشدة ليس بسبب جروحه وانما على رفيقه الذي لاقى حتفه الى جواره.
وتستطيع أن ترى اثار هذه الخسائر البشرية على وجوه رجال مثل سفيان (21 عاما) وهو طالب بكلية الهندسة.
وحينما سُئل كيف تكيف مع الحياة على الجبهة رد سفيان ضاحكا "الحرب ممتعة."
لكن الضحكة لم تبلغ عينيه. حين ينظر اليك تطل عينا رجل طاعن في السن من وجه شاب.
وقال "الان وقد بدأنا يجب أن نصل الى طرابلس... اذا كان القذافي يريد العودة الى مصراتة فعلى جثثنا."
ويشعر الرجال الاكبر سنا في مصراتة مثل محمد (49 عاما) بالانبهار.
ويقول "لم نتوقع من شباننا أن يقاتلوا بهذه البسالة ... لكنهم أكثر جرأة منا. ومما كنا نعتقد."
من نك كاري
-
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق