الخميس، يوليو 28، 2011

ليبيا : الاغتصاب وحكم إسقاط الجنين

- وردتنا هذه الرساله - ولأهميتها ننشرها لكم

بسم الله الرحمن الرحيم
الاغتصاب وحكم إسقاط الجنين
المجتمع الليبي مجتمع محافظ، متمسك بدينه وعاداته وتقاليده، ونساء ليبيا نساء عفيفات تربين على الطهارة والعفة، ونظراً لما تمر به ليبيا الحبيبة من ابتلاء، ومن ذلك اغتصاب النساء من قبل كتائب القذافي لعنهم الله، أود في هذه الورقات أن أبين الحكم الشرعي لهذا الاغتصاب، وحكم الجنين، وحكم الذين قاموا بالاغتصاب. 
أولاً: حكم النساء المغتصبات:
الاغتصاب: هو انتهاك الأعراض إكراهاً، دون إرادة من المغتصَب.أو هو: إكراه على الزنا.
والمرأة المغتصبة تعتبر من المجاهدات، ولها الأجر في صبرها على هذا البلاء، إذا هي احتسبت ما نالها من الأذى عند الله عز وجل، لقوله عليه الصلاة والسلام:" ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه".
ولا ذنب ولا إثم عليها بسبب الاغتصاب لأنها مكرهة،
وغير مكلَّفة ولا إرادة لها ، قال الله تعالى:" وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه"، والله عز وجل رفع الحرج عمَّن  أكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان، فقال تعالى:" إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان"، فمن باب أولى من أكره على الزنا وهو كاره له. قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: ( إن الله تعالى لما وضع الكفر عمّن تلفظ به حال الإكراه، أسقط عنه أحكام الكفر، كذلك سقط عن المكره ما دون الكفر، لأن الأعظم إذا سقط سقط ما هو دونه من باب أولى).
والمرأة المغتصبة امرأة شريفة عفيفة طاهرة، لا يجوز لأحد من أفراد أهلها، أو زوجها، أو عشيرتها، أو جيرانها أن يلومها على الاغتصاب، وما أصابها من الابتلاء، أو يعيّرها أو يعير أهلها، أو أولادها، أو يسئ معاملتها أو يتبرأ منها بسبب الاغتصاب، لأنها إما أن تكون بنتاً، أو أختاً، أو أماً، أو زوجة، لأن التبرأ في مثل هذه الحالة يعد قطعاً للأرحام وقد نهينا عنه.
ويؤيد هذا: ما روي أن امرأة استكرهت، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدرأ عنها الحد.
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن امرأة استسقت راعياً، فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها ففعلت، فرفع ذلك إلى عمر فقال لعلي: ما ترى فيها، قال: إنها مضطرة فأعطاها عمر شيئاً وتركها.
ولما كتب أبو موسى الأشعري رضي الله عنه إلى عمر رضي الله عنه أن امرأة رفعت إليه وهي حبلى، فكتب إليه عمر أن يوافيه بها مع ناس من قومها. فسأل عنها قومها، فأثنوا عليها خيراً، فقال عمر: امرأة شابة تهامية قد نوّمت، فما كان بفعل، فأعطاها كسوة، وميرة، وأوصى قومها بها.
ويجب الستر على المرأة المغتصبة، والستر واجب على من شهد الاغتصاب، أو علم به يقيناً، لقوله صلى الله عليه وسلم:" من ستر على مسلم، ستر الله عليه في الآخرة، ومن نفس عن مسلم كربة، نفس الله عنه كربة في الآخرة، والله في عون المسلم ما كان في عون أخيه "، وقوله عليه الصلاة والسلام:" من ستر على مسلم ستره الله تعالى في الدنيا والآخرة".
وعن يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه: أن ماعز بن مالك كان في حجره، قال فلما فجر، قال له إئت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم له ولقيه:" ياهزال أما لو كنت سترته بثوبك لكان خيراً مما صنعت به".
 ولكن لو تطلب الأمر ذكر اسم المرأة المغتصبة، كما لو رفعت قضية ضد المغتصب، أو من أمر بالاغتصاب سواء كان محلياً أو دولياً، وتطلب هذا الأمر ذكر اسمها، أو حضورها للشهادة، ففي هذه الحالة يجوز، بشرط استئذانها وموافقتها، فإذا وافقت على ذكر اسمها، أو الحضور للإدلاء بشهادتها جاز وإلا فلا. ومع ذلك يجب أخذ جميع الاحتياطات الممكنة لعدم تسرب اسمها، أو صورتها، أو أي شيء يمكن أن يشهر أمرها لدى الملاء من الناس.
ومن باب سترها تزويجها إذا كانت غير متزوجة، سواء ممن اغتصبها إن عرف ورضيت هي بذلك، أو من غيره، ونحث الشباب أن يهبوا للزواج بمن وقع ذلك عليها للتخفيف عنها ومواساتها، وتعويضها عن فقدها لأعز ما تملكه وهو عذريتها.
ثانياً: حكم إجهاض الجنين:
 لا يخلو الإجهاض: إما أن يكون قبل نفخ الروح، أو بعد نفخ الروح، ونفخ الروح يكون بعد مرور مائة وعشرين يوماً.
1- حكم إجهاض الجنين قبل نفخ الروح:
لابد من التفريق بين المرأة المتزوجة، والمرأة البكر غير المتزوجة.
فالمرأة المتزوجة: إذا كانت حاملاً من زوجها قبل الاغتصاب، ثم اغتصبت، فالولد في هذه الحالة ينسب إلى زوجها، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الولد للفراش وللعاهر الحجر"، ولأنها كانت حاملاً به قبل الاغتصاب. أما إذا كانت غير حامل ولكن جامعها زوجها في طهرها، ثم اغتصبت، ففي هذه الحالة لا يجوز الإجهاض إلا بعد التأكد من أن الحمل ليس من قبل الزوج، ويمكن معرفة ذلك بالتحليل الطبي.
والمرأة البكر غير المتزوجة، أو المتزوجة التي لم يجامعها زوجها واغتصبت، فيجوز لهما الإجهاض قبل نفخ الروح، وتمام الأشهر الأربعة الأولى من عمر الجنين، ولا يعتبر ذلك قتلاً لآدمي، وإنما هو إتلاف لما يمكن أن يكون آدمياً. أي أن الجنين لم تدب فيه الروح أي لم يصبح إنساناً له روح.
وهناك من الفقهاء كابن عابدين من أباح الإجهاض لعذر، كما لو انقطع لبن الأم وليس لأب الصبي ما يستأجر به الظئر ويخاف هلاكه، والاغتصاب من باب أولى، ذلك أن آثار الحمل من الاغتصاب على الأم قد تكون كبيرة، وقد لا تتحملها نفسياً، لأن بقاءه فيه ضرر عليها، ولأنها وإن صبرت حتى تضع حملها، فإن وضعها له لن يدخل البهجة والسرور إلى قلبها، لأن هذا الطفل المولود لن يكون مرحباً به من قبل أسرته، وأن وجوده مستقبلاً سيجعل والدته تعيش في مأساة دائمة، بسبب أنها تتذكر دائماً ظروف ارتكاب جريمة الاغتصاب وما  تعرضت له من إكراه على ما تأباه عفتها وطهرها، وعلى أسرتها، وعليه هو بعد وجوده لكونه ابن زنا، ويفتح باب قول السوء عليها، لعدم التفريق بين الإكراه والرضا في الزنا، مع أنها لا ذنب لها، ولا يد لها في الجريمة، ويمكن التخفيف من آثار ذلك بالأخذ بالقواعد الشرعية: ( أن الضرر يزال)، (والضرر الأشد يزال بالضرر الأخف). (ويرتكب أخف الضررين وأهون الشرين)، (والمشقة تجلب التيسير)، مع أن هذه النطفة نطفة محرمة شرعا، وما كان محرماً شرعاً، فهو كالمعدوم حساً، وليس لها حرمة.
 وبالتالي فالتخلص من هذا الجنين يجعل المرأة المغتصبة قد ارتكبت بذلك أخف الضررين.
وقد أفتى مفتي مصر في فتوى صادرة في 26/6/1419هـ بجواز الإجهاض فقال:( لا مانع شرعاً من تفريغ ما في أحشاء أنثى من نطفة، نتيجة الاختطاف والإكراه على المواقعة، بشرط أن لا يكون قد مرَّ على هذا الحمل مائة وعشرون يوماً، لأنه لا يحل في هذه الحالة إسقاط الجنين لكونه أصبح نفساً ذات روح يجب المحافظة عليها).
2- حكم إجهاض الجنين بعد نفخ الروح:
إذا مر على الحمل مائة وعشرون يوماً فإنه لا يجوز إسقاطه، لما في ذلك من قتل نفس معصومة، فإن هذا الجنين لما نفخت فيه الروح أصبح نفساً معصومة، لا يجوز الإقدام على قتله.
قال ابن جزي المالكي رحمه الله تعالى: (  وإذا قبض الرحم المني لم يجز التعرض له، وأشد من ذلك إذا تخلق، وأشد من ذلك إذا نفخ فيه الروح، فإنه قتل نفس إجماعاً ).
وقال الدسوقي رحمه الله تعالى: ( لا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم، ولو قبل الأربعين يوماً، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعا).  
وإجهاض جنين المرأة المغتصبة إنما هو ارتكاب جريمة أخرى لإخفاء أثر جريمة الاغتصاب،  وجريمة الإجهاض هي أبشع من جريمة الاغتصاب، لأن فيها قتلاً لنفس بشرية حرم الله قتلها إلا بالحق، قال صلى الله عليه وسلم:" لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة ".
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الغامدية رضي الله عنها التي أقرت بالزنا واستوجبت الرجم وهي حبلى من الزنا، أن تذهب بجنينها حتى تلد، ثم بعد الولادة حتى الفطام، وأخّر إقامة الحد عليها حفاظاً على حياة الجنين، ولو كان الإجهاض يجوز لأخبرها بذلك عليه الصلاة والسلام. لأنه وقت الحاجة إلى البيان، وتأخير البيان عن وقت الحاجة إليه لا يجوز، فلما لم يستفصل ولم يبين دل على حرمة إجهاض الجنين ولو كان من سفاح.
والأضرار التي تلحق بالأم، أو بالجنين بعد ولادته، لا تساوي ضرر قتله، فلا يجوز قتله ويأثم به صاحبه، ويعتبر من أكبر الكبائر لقوله عز وجل:" ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً"، وقوله سبحانه:" ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق"، ومن مقاصد الشريعة حفظ الضروريات الخمس التي اتفقت عليها الشرائع ، فحفظ الروح وحفظ النفس مقدم على أي شيء.
ومن أجهضت الجنين عمداً، فيجب عليها أن تتوب إلى الله تعالى، وتندم على ما فعلت، وتعزم على عدم العودة لذلك، وتكثر من الأعمال الصالحة لعل الله تعالى يتوب عليها . ويجب عليها الدية والكفارة، ودية الجنين: خمس من الإبل تكون لورثته، ولا تأخذ منها الأم شيئاً، لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنه قال: اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله: "فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة"، والغرة خمسة في المائة 5% من الدية الكاملة، وتساوي خمساً من الإبل.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: ( وإذا شربت الحامل دواء، فألقت به جنيناً، فعليها غرة، لا ترث منها شيئاً، وتعتق رقبة، ليس في هذه الجملة اختلاف بين أهل العلم نعلمه، إلا ما كان من قول من لم يوجب عتق الرقبة،  وذلك لأنها أسقطت الجنين بفعلها وجنايتها، فلزمها ضمانه بالغرة،  كما لو جنى عليه غيرها، ولا ترث من الغرة شيئاً; لأن القاتل لا يرث المقتول، وتكون الغرة لسائر ورثته، وعليها عتق رقبة).
ثالثاً: حكم رتق غشاء البكارة:
المرأة البكر هي العذراء، وهي التي لم تجامع بنكاح ولا غيره، وعلامة ذلك غشاء رقيق يكون في القبل يسمى غشاء البكارة، أو الغشاء العُذْري.
ومعنى رتق الغشاء العذري: أي إصلاحه طبياً ليعود إلى وضعه السابق قبل التمزق، أو إلى وضع قريب منه، وهو عمل الأطباء المتخصصين.
المرأة المغتصبة غير آثمة ولا هي زانية، ولا ينسب إليها ما لم تفعله، ولم ترض به، وقد ابتليت ببلاء كبير يمكن إزالته، وذلك برتق غشاء البكارة. وعلى هذا يجوز للمرأة البكر التي اغتصبت وتمزق غشاء بكارتها، رتقه، أي: إرجاع غشاء البكارة، لأن مصالح هذه العملية تغلب على مفاسدها، وكذلك تغليباً لجانب الستر على المغتصبة، إذ يمنع إشاعة الحديث حولها، لأن المرأة في هذه الحالة بريئة من الفاحشة، وفي إجراء الرتق سترها وتأكيد براءتها، وقفل لباب سوء الظن بها، وحماية لأسرتها. وإجراؤه جائز ومشروع بشرط أن يكون مبنياً على الإجراء الجنائي الذي يثبت التعرض للاغتصاب، وأن لا يجري الطبيب الرتق بدون ذلك سداً لباب التلاعب والتحايل.
وقد صدرت فتوى مفتي مصر في 26/6/1419هـ تتضمن: ( أنه لا مانع شرعاً من العمليات الجراحية التي تجرى للأنثى التي اختطفت، وأكرهت على مواقعتها جنسياً لإعادة بكارتها).
ولا يلزمها، ولا أهلها إخبار الخاطب الذي يتقدم لها، بما حدث لها، ولا يعتبر ذلك غشاً، ولا خداعاً للخاطب. لأن ما قامت به أمر مشروع بل ممدوح، أكد طهرها وعفتها.
عن طارق بن شهاب: أن رجلاً خطب إليه ابنة له، وكانت قد أحدثت له، فجاء إلى عمر فذكر ذلك له، فقال عمر: (ما رأيت منها)، قال: ما رأيت إلا خيراً، قال: ( فزوجها، ولا تخبر).
وعن الشعبي قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين، إني وأدت ابنة لي في الجاهلية، فأدركتها قبل أن تموت فاستخرجتها، ثم إنها أدركت الإسلام معنا فحسن إسلامها، وإنها أصابت حداً من حدود الإسلام، فلم نفجأها إلا وقد أخذت السكين تذبح نفسها، فاستنقذتها وقد خرجت نفسها، فداويتها حتى برأ كلمها، فأقبلت إقبالا حسناً، وإنها خطبت إلي فأذكر ما كان منها، فقال عمر: ( هاه لئن فعلت لأعاقبنك عقوبة)، قال أبو فروة: يسمع بها أهل الوبر، وأهل الودم، قال إسماعيل: يتحدث بها أهل الأمصار. أنكحها نكاح العفيفة المسلمة.
فإذا كان هذا في حق من زنت وثابت وأقلعت عن غيها، فمن باب أولى من اغتصبت، أنه لا يخبر عما حدث لها أبداً، ولا رميها بالزنا ومن يفعل ذلك يقام عليه حد القذف.
رابعاً: نسب الطفل:
من حق المرأة المغتصبة التي ابتليت بهذه المصيبة في نفسها، أن تحتفظ بالجنين، ولا حرج عليها شرعاً، ولا تجبر على إسقاطه، وإذا أنجبته فيعتبر طفلاً مسلماً، كما قال النبي، صلى الله عليه وسلم:" كل مولود يولد على الفطرة". والفطرة هي التوحيد وهي الإسلام.
وينسب الطفل إلى أمه، لأنه متيقن من ذلك، وهي مخيرة بين الاحتفاظ به وتربيته، وفي هذه الحالة يستخرج له جنسية، ويعتبر من الأيتام، ويعطى اسماً عاماً، ولا بأس أن ينسب إلى قبيلة أمه، وذلك مثل: محمد عبد الله الطرابلسي.
وأما إذا اختارت عدم الاحتفاظ به وتربيته، فإذا أخذه أحد المحسنين وكفله يكون طيباً، وإلا فعلى المجتمع المسلم أن يتولى رعايته والإنفاق عليه، وحسن تربيته، ولا يدع العبء على الأم، والدولة مسؤولة عن هذه الرعاية، وذلك من خلال إقامة دور رعاية لمثل هؤلاء الأطفال، أخذاً بقوله صلى الله عليه وسلم:" كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته".
خامساً: حكم المغتصب
الاغتصاب إكراه على الزنا، والزنا حرام من المحرمات الظاهرة المعلومة بالضرورة . قال تعالى:" ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً"، قال تعالى:" والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما  يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً". ويؤدي الزنا إلى كثير من المفاسد تعود على الزاني والمجتمع.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ( والزنا يجمع خلال الشر كلها، من قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلة الغيرة ... ومن موجباته غضب الرب بإفساد حرمة عياله، ومنها سواد الوجه وظلمته، وما يعلوه من الكآبة والمقت، ومنها ظلمة القلب، وطمس نوره .. ومنها ضيق الصدر وحرجه).
والاغتصاب أشد حرمة من الزنا، لأنه فعل له مع الإكراه، أي: إكراه على ممارسة الزنا وهتك الأعراض بالقوة.
ويجب على من أكُرِه على الزنا من الرجال أن لا يقوم به، فإذا هدد بالقتل عندها ينظر في الأمر: إما أن يأخذ بالعزيمة ويرفض الزنا، فإن قتل مات شهيداً، وإما يتظاهر بالفعل حيلة من غير أن يفعل، وإلا يكون الفعل بغير إرادته ولا رضاه.
فإن فعل دل ذلك على رضاه على الاغتصاب، ولا يؤخذ بقوله أنه غرر به، أو أكره على ذلك.
والاغتصاب يأخذ حكم الحرابة، لما فيه من انتهاك حرمات المسلمين على سبيل المكابرة والمجاهرة، والسعي في الأرض الفساد المستحق للعقاب، خصوصاً وأنه يتم تحت تهديد السلاح والقتل، وفيه حق للمرأة المغتصبة، وحقوق العباد لابد من التشدد فيها، لقوله تعالى:" إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أَو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم".
قال ابن العربي رحمه الله تعالى يحكي عن وقت قضائه: ( دفع إليّ قومٌ خرجوا محاربين إلى رفقة، فأخذوا منهم امرأة مغالبة على نفسها من زوجها، ومن جملة المسلمين معه فيها فاحتملنها، ثم جدّ فيهم الطلب فأخذوا وجيء بهم فسألت من كان ابتلاني الله به من المفتين فقالوا: ليسوا محاربين؛ لأن الحرابة إنما تكون في الأموال لا في الفروج، فقلت لهم: إنا لله وإنا إليه راجعون!. ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال، وأن الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم وتحرب من بين أيديهم، ولا يحرب المرء من زوجته وبنته، ولو كان فوق ما قال الله عقوبة لكانت لمن يسلب الفروج).
ويعدُّ الطغاة من رؤسائه الذين حملوه على ذلك محاربين أيضاً، وأشد إثماً منه، ويحملون أوزاراً مع أوزارهم، وهذا إذا لم يكن مستحلين لذلك، أما من استحل ذلك فهو فوق حرابته يعدُّ مرتداً كافراً بإجماع الأمة، لأنه استحل محرماً معلوماً تحريمه من الدين بالضرورة، وفي كل الأحوال فإن من يعبث بحرمات أمته وأعراضهم لا يجوز الإبقاء عليه، ويجب على كل قادر على إزالته أن يساهم بذلك، ولو بشطر كلمة يقولها، ولو بالدعاء عليه، وفي المقابل فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعينه على جرائمه بأي جهد- يستوي في ذلك إعانته بالنفس، أو المال، أو السلاح، أو بالكلام، أو بأي شيء آخر- فمن أعان هؤلاء الظلمة ولو بشطر كلمة فهو شريك لهم في الإثم والخيانة لله تعالى، وللوطن، والأمة. والحمد لله رب العالمين.
كتبه:الدكتور أحمد الطرابلسي
 طالب علم ليبي
17/6/2011
  

-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق